نقولا ناصيف
فتح كشف الشبكة المنفّذة لتفجير حافلتي الركاب في عين علق، يوم 13 شباط المنصرم، ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، ووضع المسؤولين والأجهزة الأمنية في واجهة استحقاق مهم كان قد تقدّم عليه في الأشهر الأخيرة الانقسام في مشكلات سياسية شتى. ومع أنه حمّل سوريا مسؤولية مباشرة عن إدارة الشبكة الإرهابية من خلال تعاون أفرادها مع الاستخبارات السورية تبعاً لإفادات أدلوا بها، فإن مجلس الوزراء أضحى هو الآخر في واجهة الدخول في سجال مع سوريا ومع الداخل، الأمر الذي عكسته سلسلة ردود فعل سياسية متباينة أعقبت الإعلان عن اكتشاف شبكة «فتح الإسلام» المنشقة عن «فتح ــــــ الانتفاضة» التي تتلقى بدورها الأوامر من سوريا. وهكذا دارت الدائرة على الأخيرة في توقيت سياسي مثير للانتباه. على الأقل بالنسبة إلى الإعلان عن الشبكة الإرهابية.
وبحسب معلومات جهات واسعة الاطلاع ووثيقة الصلة بفريق الغالبية، فإن التحقيقات مع أعضاء شبكة «فتح الإسلام» انتهت السبت الفائت، إلا أن الكتمان ظل يحيط بها إلى أن أُعلنت عشية تحركات سياسية ودبلوماسية من شأنها أن تتأثر باكتشاف الشبكة: قبل ساعات من زيارة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا لدمشق هي المرة الأولى لمسؤول دولي رفيع المستوى منذ كانون الثاني 2005، وقبل ساعات من تسليم رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيرج براميرتس تقريره الدوري إلى الأمم المتحدة، وقبل ساعات من إحياء الذكرى الثانية لقيام قوى 14 آذار التي تحتاج بدورها إلى مكسب سياسي أو أمني داخلي يعزّز الثقة بقدرتها في الحكم. كذلك يأتي توقيتها مع تصاعد نبرة المطالبين بمراقبة مُشَدَّدة للحدود اللبنانية ــــــ السورية، ونشر جنود دوليين منعاً لتهريب أسلحة إلى المنظمات الفلسطينية والتيارات الأصولية المؤيدة لسوريا.
على أن الجهات الواسعة الاطلاع تسجل ملاحظات:
أولاها، أن التحقيقات كشفت علاقة تنظيم «وهمي» هو «فتح الإسلام» بتنظيم حقيقي هو «فتح ــــــ الانتفاضة» مع الاستخبارات السورية. وتالياً أفضت التحقيقات والإفادات إلى مسؤولية الشبكة عن تفجير الحافلتين. وكانت قد قادت إلى اكتشافها تحقيقات أمنية أجريت في الأسبوع الأول بعد تفجير الحافلتين، وأدى تعاون أمني بين شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي ومديرية المخابرات في الجيش إلى توقيف أردني على علاقة بهذه الشبكة، من غير أن يكون قد تعرّف إلى أعضائها. واقتصرت الاعترافات التي أدلى بها على تحديد مسؤولية «فتح الإسلام». الأمر الذي لمح إليه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي بعد جلسة مجلس الوزراء.
ثانيتها، أن ليس ثمة ما يشير إلى ترابط حتمي بين تفجير عين علق والتفجيرات التي سبقته على امتداد السنة المنصرمة. أمر كهذا يحمل الجهات نفسها على استبعاد تعميم المسؤولية من غير اقتران ذلك بمعطيات حسية توجبه. وقد لا يشبع ذلك غليل الاستنتاج السياسي حيال الدور المتهمة به الاستخبارات السورية. وبحسب نتائج التحقيقات فإن الشبكة الإرهابية مسؤولة عن تفجير عين علق، مقدار مسؤوليتها عن التعاون مع الاستخبارات السورية.
ثالثتها، أن من السذاجة بمكان الاعتقاد بأن الشبكة الإرهابية هي الخلية الوحيدة العاملة في نهر البارد تحت سلطة «فتح ــــــ الانتفاضة» والاستخبارات السورية، ما يفتح باب التكهن بوجود خلايا مشابهة نائمة، أو عاملة لم تُكتَشف بعد حيال تلك التفجيرات، أو حتى فارة. مغزى ذلك العودة إلى المشكلة الأم: فتح ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الذي لا يبدو سهلاً في ضوء استمرار العقبات نفسها التي حالت مذ اتخذ مؤتمر الحوار الوطني في 2 آذار 2006 قراراً بالإجماع بإلغائه. والعقبات صنفان: سورية، ولبنانية داخلية. أضف أن تراخي تعامل السلطة اللبنانية، للأسباب نفسها، ضاعف في الأشهر الأخيرة الخطر الذي باتت تقارب به مراجع رسمية هذا السلاح، الآخذ في التوسّع والتنقل. وبحسب خريطة انتشار السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، تورد مصادر أمنية المعطيات الآتية:
1ــــــ منظمات فلسطينية في قوسايا وحلوى والسلطان يعقوب والناعمة. ويختلف التقويم الأمني لهذه المراكز. إذ بينما يتمركز جنود لبنانيون في الجهات الأربع المحيطة بالسلطان يعقوب وأنفاق الناعمة، ليس في وسع هؤلاء السيطرة إلا على الجهة الغربية من حلوى وقوسايا المتاخمتين للحدود اللبنانية ــــــ السورية، والمشرعتين على الداخل السوري الذي يمدّهما بالرجال والسلاح والتدريب.
2 ــــــ تيارات وتنظيمات أصولية سنية متشددة كـ«فتح الإسلام» في مخيمي البداوي ونهر البارد، و«عصبة الأنصار» في مخيم عين الحلوة، تتلقى الرجال والتدريب والسلاح أيضاً.
3 ــــــ تعتمد المراكز الفلسطينية خارج المخيمات على جهتين فلسطينيتين تتوليان تنظيمهما وتخضعان لأوامر دمشق، هما «فتح ــــــ الانتفاضة» في حلوى، و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــــــ القيادة العامة» في قوسايا والسلطان يعقوب والناعمة. وهما تشكلان كذلك الثقل في مخيمي البداوي ونهر البارد.
4 ـــــ لا تكتم المصادر الأمنية القلق الذي يساورها من تنامي قوة «فتح الإسلام» في مخيمات بيروت ــــــ بالكاد عمرها ثلاثة أشهر ــــــ وخصوصاً في برج البراجنة ومار الياس وصبرا وشاتيلا. واستناداً إلى تقويمها، فإن مخيم برج البراجنة آخذ في التوسع إلى خارج النطاق الذي كان قد أضحى عليه عام 1982. كذلك تشير المعلومات الأمنية إلى حالات تسلح وتدريب تعرّض المخيم لخطر الاصطدام بمحيطه.
5 ــــــ تدرك المصادر الأمنية دخول عشرات المتطوعين العرب، تونسيين وجزائريين ويمنيين وسعوديين وفلسطينيين وأردنيين، فضلاً عن سوريين، إلى الأراضي اللبنانية من المطار والحدود البرية مع سوريا، وفي الغالب قانوناً من دون توقيفهم لعدم ثبوت ضلوعهم في مخالفة ما. وبهدف القتال في العراق، يتلقون تدريبات في المخيمات الفلسطينية وفي المراكز الفلسطينية خارج المخيمات ويتسلحون، ثم يتحولون إلى أهداف محض لبنانية. ومعظم هؤلاء يتمركزون في نهر البارد. وحملت المخاوف من تنامي دور هؤلاء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن طلب من قائد الجيش العماد ميشال سليمان في الاجتماع الأمني الذي عقد في السرايا قبل جلسة مجلس الوزراء اتخاذ إجراءات أمنية متشددة سريعاً. وفي ظل تحفظ السنيورة عن اتخاذ أي موقف، في الظروف الراهنة على الأقل، حيال الوضع الذي هو عليه مخيما البداوي ونهر البارد، وغياب أي خطة لدخول مخيم البارد، حيث تقدّر المعلومات الأمنية عناصر «فتح الإسلام» بـ200، وكذلك استحالة اتخاذ قرار سياسي بالانتشار في هذا المخيم، قرّ الرأي على الطلب إلى سليمان تعزيز إجراءات الجيش. في الساعات التالية نشر، بالإضافة إلى مراكزه المحيطة بمخيم نهر البارد، ما يزيد على 800 جندي للتضييق عليه ومراقبته من واجهته البحرية.