أنطوان سعد
قد يشكّل ربط مسألة الاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية بالتسوية الجاري العمل عليها بين الموالاة والمعارضة، منعطفاً مهماً في النزاع الدائر بينهما، إذا قررت الأوساط المسيحية السياسية وغير السياسية التعاطي معه بجدية وإيلاءه الاهتمام الذي يستحق. وبذلك يدخل إلى التداول ملف يعني المسيحيين مباشرة، كما أن ملف المحكمة ذات الطابع الدولي يعني السنّة في شكل خاص، والثلث المعطل أو الضامن يهمّ الشيعة بالدرجة الأولى. ويصبح بالتالي لكل من الطوائف الثلاث مطلب أساسي قيد البحث يشكل تحقيقه لها طمأنة لهواجسها المتزايدة بفعل الرياح الإقليمية المتشنّجة المنذرة بمزيد من التوتر والخلافات الداخلية المنسجمة معها.
ولّدت تصاريح القيادات السياسية المسيحية المعارضة المشددة على بتّ موضوع قانون الانتخاب في السلة التي يجري التفاوض حولها، ارتياحاً في الأوساط المسيحية عموماً، بما فيها أوساط قريبة تقليدياً من «القوات اللبنانية»، يراوح بين مرحّب من دون تحفظ ومرحّب يطرح علامات استفهام عن توقيت الطرح وخلفياته وأهدافه. فالفئتان المشار إليهما تعرفان بوضوح أن إصرار المعارضة، في شقها الشيعي خصوصاً، على قانون انتخاب يحفظ للمسيحيين صحة التمثيل هو بمثابة تحرير شيك من رصيد الموالاة في شقّيها السنّي والدرزي. ذلك أن عدد النواب المسيحيين المنتخبين بأصوات الناخبين الشيعة في الجنوب والبقاع لا يقارن بعدد النواب المنتخبين بأصوات الناخبين السنّة والدروز في البقاع الغربي والشوف وعاليه وبيروت وعكار وطرابلس، فضلاً عن أن للناخبين المسيحيين قدرة كبيرة على التأثير في نتيجة الانتخابات في قضاءي بعبدا وجبيل حيث توجد ثلاثة مقاعد شيعية.
أما التحفّظ في الأوساط المسيحية على هذا الطرح فمردّه في شكل خاص إلى التوقيت والتساؤل عن الخلفية من وراء طرحه في هذه المرحلة من عضّ الأصابع بين المعارضة والموالاة. فالمسألة لم تطرح في الشكل الحازم والحاسم من جانب المعارضة إلا بعد استنفاد العديد من الوسائل التي لجأت إليها منذ الحادي عشر من كانون الأول الماضي، من تظاهرات شعبية حاشدة ملأت شوارع بيروت، إلى اعتصامات مستمرة منذ أكثر من مئة يوم، إلى يوم الإضراب العام وما جرى فيه وتلاه من مواجهات مؤسفة، إلى تلويح بالعصيان المدني والإضراب المفتوح. وفي هذا الإطار، تتساءل أوساط مسيحية قريبة من تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي: «لماذا لم تطرح المعارضة هذا المطلب بإلحاح إلا بعدما فشلت في خطواتها الاعتراضية السابقة؟ لقد كانت تعرض دائماً خلال الأزمة المقايضة بين المحكمة ذات الطابع الدولي والثلث المعطل فماذا تغيّر الآن؟».
في المقابل، ترى مصادر مسيحية معارضة أنه «ليس المهم في السياسة النيات بل الأفعال واستغلال الظروف والفرص السانحة لتحقيق المطالب التي في النهاية لا يمنحها أي طرف مجاناً كرمى لعين طرف آخر. على المسيحيين أن يتوقفوا عن انتظار أن يعيد لهم الفرقاء الآخرون حقوقهم فقط لأنها حقوقهم المكتسبة التي حددها اتفاق الطائف لهم، ولا بد من أن تكون تجربة الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت بعد انسحاب القوات السورية من لبنان قد علّمتهم أن ما من طرف على استعداد للتخلي تلقائياً عن قوته السياسية وحصته من نواب ووزراء. ثمة نزاع سياسي دائر في لبنان بين القوى السياسية السنية والشيعية له ارتبارطات بما يجري في منطقة الشرق الأوسط عموماً، وليس المطلوب أن يصطف المسيحيون اللبنانيون مع هذا الطرف ضد ذاك والعكس أيضاً، بل المهم أن يقف المسيحيون مع أنفسهم ويبحثوا عن توفير مصالحهم كما يفعل الآخرون، حتى لا تأتي الحلول مرة أخرى على حسابهم أو على الأقل متجاهلة لحقوقهم التي تصب في نهاية الأمر في مصلحة كل الطوائف، وخصوصاً على مستوى امتصاص التوتر القائم على الساحة اللبنانية في الظرف الحالي».
أوساط بكركي تراقب التطورات الجارية وتشير مصادر قريبة منها إلى أنه لا يمكن البطريركية المارونية أن تتجاهل الدعوات إلى إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، وهي تعتبرها محقة، غير أنها ترى أن على المسيحيين التعاطي بحكمة مع هذا الملف حتى لا يؤدي الخوض في هذا الموضوع إلى ازدياد الأمور تعقيداً ورفع مستوى التوتر المتزايد في لبنان. وتلفت هذه المصادر إلى أن للبطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير مواقف واضحة في هذا المجال وإلى أنه على استعداد لتكرارها حينما تدعو الحاجة.