strong>نادر فوز
يغادر جورج كلية العلوم ــ الفرع الثاني في الفنار إلى أحد المقاهي المقابلة، بعدما أنهى إحدى الحصص الدراسية «المملّة». لم يعد جورج يجد في دراسة «علوم الحياة» المتعة اللازمة للتوجه إلى كلية الطب، رغم تفوّقه في المواد العلمية. ومع ذلك فالموضوع الذي يقرر التحدث عنه يتخطّى الحياة الأكاديمية. يقول: «نشأت في قرية دير الأحمر البقاعية المعروفة بصبغتها «القواتية»، مثل باقي «أولاد الضيعة»، على فكرة «الاضطهاد المسيحي»، و«تأليه الحكيم» على أنه منقذ المسيحية من المشاريع المتعددة لـ «أسلمة» لبنان. يلتزم جورج الشعارات «على العمياني» من دون أي تفكير، تماشياً مع البيئة التي يعيش فيها. إلاّ أنّ ذلك لم يمنع ابن دير الأحمر من التعرّف إلى بعض اليساريين والقوميين، فبدأت الأحاديث وتطوّرت إلى نقاشات وتبادل الكتب.
وفي القراءات، تسنّى لجورج الاطّلاع على «بيان الحزب الشيوعي» و«المحاضرات العشر» التي رأى فيها اختلافاً مع تصوراته المسبقة عن هذه الأطراف لجهة «عدم انتمائها للبنان أو دعمها لمشاريع غريبة ومساعدتها للفلسطينيين والسوريين»، واكتشف أنها مبنيّة على أسس فكرية وفلسفية لا على أفكار فحسب.
يروي جورج كيف أعجب بالصورة الشهيرة لغيفارا التي التقطها ألبرتو كوردا، وتحمّس لفكرة اقتناء واحدة بعدما رأى عدداً كبيراً من القواتيين يرتدون قمصاناً «غيفارية». ثم قرأ أحد الكتب عن حياة غيفارا، فتعرف إلى تاريخه وأسباب نضاله. وعندما اكتشف أنّ «الشخص» شيوعي، قرر عدم التعمّق أكثر في القضية، إلا أنه لا يزال يحتفظ بتلك الصورة في غرفته الخاصة في منزل ذويه في الدكوانة.
اعتدلت أفكار جورج بعدما اقتنع بالقضايا الاجتماعية وبالعلمانية والمواطنية التي ينادي بها الشيوعيون لا سيما أنّه يرى أنّ لـ«القوات» مبادئ مشابهة يجري تجاهلها حالياً بسبب «الخوف على الوجود المسيحي». لا يزال جورج يؤمن بضرورة الحفاظ على لبنان والتمسك بالـ«10452» وعدم التدخل في القضايا الإقليمية. وعن «الحقد على الوجود السوري الذي تشرّبناه منذ طفولتنا» يقول إنه يجب محاسبة من أدخل السوريين إلى لبنان وليس فقط الأداء السوري.
ابتعد جورج عن «القوات» لما «تمثله من مشروع طائفي منعزل عن الشرائح اللبنانية الأخرى». ويؤكد أنّ علاقته بأفراد عائلته تزعزعت فلطالما «اتهم» خلال الجلسات العائلية بـ«العونية». وعلى الرغم من أنه بعيد من المعارضة ولم يعد ممثلاً بقوى 14 آذار، يعتبر جورج الاستزلام لدول أجنبية، عربية كانت أم غربية، «يعيدنا إلى ما قبل الحرب الأهلية». لا ينوي جورج الانتماء إلى أي حزب أو تيار لما يشوب تنظيم الأطراف السياسية من «قضايا قذرة وغير أخلاقية». ينجز جورج اليوم امتحاناته في كلية العلوم ليعود ويكمل قراءة «مذكرات الحروب الثورية» لغيفارا.