البترون ـ ريتا شاهين
يبدو أن تغاضي القوى الأمنية اللبنانية عن تطبيق قرار منع الصيد في منطقة البترون مقدمة حتمية لإبادة العديد من أصناف الطيور، المهددة أصلاً بالانقراض، والتي لها وظائف أيكولوجية، لا تعوّض ولا تقدر بثمن، تماماً كغيرها من الكائنات المهددة بفعل سوء الإدارة لموارد الطبيعة.
ومع قرب حلول فصل الربيع، وقرب موسم وضع الطيور للبيض، تعود إلى الواجهة مشكلة ضبط عمليات الصيد حفاظاً على هذه الثروة المهددة بالانقراض، حيث باتت مشكلة الصيد الجائر متنقلة في مختلف قرى ومدن قضاء البترون، وخاصة في الأحراج، حيث يمكن أن نشاهد عمليات إبادة للطيور التي لم تتوقف على الرغم مما أشيع حول مرض أنفلونزا الطيور وإمكان انتقاله عبر الطيور المهاجرة والمتنقلة بين بلد وآخر.
وفي جولة صباحية على بعض الأماكن التي أصبحت مقصداً لهواة الصيد، تجد مجموعات شبابية صغاراً وكباراً يتباهون بمهارتهم في صيد الطيور بشكل عشوائي وفي أوقات وأماكن متعددة وغير مدروسة أو محدودة.
أبو جورج الذي التقيناه يصحب ولده معه في رحلة صيد طويلة، وهو الذي لم يتجاوز العشر سنوات من العمر يقول: «أدربه منذ الصغر على إطلاق النار والتصويب جيداً على الهدف، وأول هدية قدمتها له بمناسبة حلول العام الجديد كانت بندقية صيد متقدمة. يشير أبو جورج إلى أن الصيد بالنسبة له «هواية وتقليد ورثه عن والده وأجداده وهو يورّثه بدوره لولده، مضيفاً أنه يشعر بلذّة كبيرة وهو يصطاد الطيور، لا بل أصبح مدمناً على هذه الهواية. أما ابنه فاعتبر أن هذه الهدية كانت الأجمل والأثمن معنوياً بالنسبة له، وقد حلم بها منذ سنوات».
عمر صياد آخر، وضعه ليس أخف وطأة عن أبو جورج، فهو لا يعرف أي شيء عن آداب الصيد البرّي، وهو متأكد أن الصيد مباح في كافة دول العالم للطيور، لكنّه لا يعرف في أي أوقات من السنة. وعن الملاحقات القانونية يشير عمر «أنها خجولة وهو يصطاد في الأودية بعيداً، وفي الجبال حيث لا مجال للوصول إليه... هذا إذا تمت الملاحقات».
أما فؤاد فيعتبر الصيد رياضة حيث يسير كثيراً في الحقول ويصطاد قليلاً، وهو يدرك أهمية الطيور ومنفعتها للبيئة والمزروعات، فيمارس هذه الهواية في أوقات معينة من السنة.
هذه عيّنة من الصيادين في منطقة البترون الذين ربما لا يبتغون تأمين قوتهم من بيع حصيلة صيدهم، بل غالبيتهم يعتبرون الصيد هواية ولذّة، وهم لا يحترمون أوقات وضع الطيور لصغارها ويجهدون في اقتناء أجهزة ومعدات حديثة لتضليل الطيور وخداعها من خلال الأصوات التي تطلقها آلات النداء ذات الأسطوانات المتعددة. في حين أن الطيور لم تطوّر في أساليب حماية نفسها وحياتها، كما طوّر الإنسان في أساليب فتكه بها.