ثائر غندور
«الرسم وسيلة الطفل للتعبير عن ذاته». مبدأ تنطلق منه «جمعية إنماء قدرات الريف» و«محترف ابريق الزيت» في عملهما مع الأطفال ضمن مشروع «قدموس» الهادف إلى إكساب الشباب المهارات الحياتية وتعزيز اندماجهم في المجتمع. أما على الصعيد الشبابي فيستبدل الرسم بورشات العمل والألعاب الهادفة لتحقيق الغاية المرجوة

يراقب ياسر مروّة الأطفال وهم يضعون اللمسات الأخيرة على رسومهم. فالساعة قاربت الثانية ظهراً، ويجب العودة إلى المدرسة. هنا، في مركز جمعية «إنماء قدرات الريف» في تبنين، يرسم عدد من الأطفال ما يحلو لهم، بالتعاون مع محترف «إبريق الزيت». لم يكن اختيار البرنامج للتلامذة عشوائياً، بل يستهدف الذين يعانون تأخراً دراسياً، كما توضح آسن صفدي من الجمعية. أما التلامذة فلا يعرفون أسباب الاختيار «عندما نادونا بأسمائنا، ظننّا أن المعلمة ستضربنا لأنها كانت تحمل مسطرة» تقول مروة. الموضوع لهذا اليوم محدّد: «الحرب». لكن الرسوم لم تتناول الحرب. فهذه مها ترسم عن الثلج، تستعيد أعواماً سابقة حين كان في استطاعتها أن تلعب بالثلج من دون الخوف من قنبلة عنقودية. فـ «الرسمة تحكي الكثير»، بحسب الاختصاصية النفسية كلود غريّب، و«هؤلاء الأطفال لا يستطيعون أن يُعبروا عن أنفسهم بالكلمات فيكون الرسم فسحة التعبير عن الضغط الناتج من الحرب الاسرائيلية الأخيرة». وتُلخص غريّب نتيجة عملها مع الأطفال في الجنوب بالقول: «يتجهون صوب خيارين؛ التأخر الدراسي أو الدرس بشكل كثيف، كما يواجهون «كوابيس» ليلية: اكتئاب، إحباط، عدوانية لا إرادية...». وتجزم غريّب أن المشاكل النفسية ستظهر ولو بعد حين، ومن هنا ضرورة العمل مع هؤلاء الأطفال.
وصل سائق الميني باص الذي يقل التلامذة إلى المدرسة. يصوّرهم ياسر مروّة (محترف ابريق الزيت) وهم ينظرون بفخر إلى رسومهم. حسين رسم «حزب الله في كل مكان»، والسبب بسيط: «حزب الله دافعوا عنّا وعن الأرض وأنا أحب أن أقاتل معهم بس إكبر». يقولها حسين بتلقائية، فـ «رسمات الأطفال توحي بالانتصار»، على حد تعبير إحدى العاملات الاجتماعيات، لكنّها تشير إلى حزن داخلي أيضاً «فأحدهم رسم منزلاً وإلى جانبه حديقة وضعت عليها إشارة ممنوع الدخول»، مثلما في الواقع، حيث يُمنع الأطفال من الاقتراب من أماكن لعبهم في الحدائق والبراري بسبب انتشار الألغام والقنابل العنقودية.
انتهى وقت الأطفال. رحلوا إلى منازلهم، وبدأ حديث «الكبار». يعاني هؤلاء الأطفال مشاكل نفسية عدة، فـ «المدارس لم تجر أي تعديل على مناهجها الدراسية بما يتماشى مع الواقع الجديد بعد الحرب» تؤكد كلود غريّب. وتشير إلى أنّ الأهالي يتعاطون بانفتاح مع وضع أولادهم، «ويتعاونون معنا إلى حدّ كبير».
وتشرح إحدى العاملات الاجتماعيات في المركز أنّ «الحرب انتهت بالنسبة إلى الكثيرين، والجميع يهتم بالسياسة، لكن عليهم الانتباه إلى أن هناك آلاف الأطفال لا يعرفون معنى الحرب ولم يستوعبوا ما حصل، كما أنهم لا يستطيعون أن يُعبروا». وتلفت إلى حادثة حصلت مع طفلة رفضت لمدة يومين الدخول إلى منزل ذويها الجديد بعدما تدمر منزلهم القديم، «هي ببساطة لا تفهم لماذا خسروا منزلهم وتخاف أن تتعلق بشيء جديد وتخسره».
تنتهي زيارة مشروع «قدموس» في تبنين. المحطة التالية، صيدا، مركز جمعية «تنمية الإنسان والبيئة». هنا العمل يختلف. الفئة المستهدفة هي طلاب الثانويات، إذ يرتكز العمل على إكسابهم مهارات التعاون وحلّ النزاعات والتعامل مع جسدهم... المستوى الاقتصادي لهؤلاء الشبان أفضل، كما أن انضمامهم للمشروع جرى بوعي منهم لأهدافه. يستمتعون بورشات العمل والألعاب الهادفة، لكن هناك تخوّفاً أبدته إحداهن: «هل نستطيع تطبيق ما نتعلّمه في المجتمع». تشاؤم يقابله تفاؤل آخرين: «علينا توسيع شبكة الشباب المستفيدين». هؤلاء يستطيعون أن يُعبروا عن أنفسهم بالكلام، يُعلنون طموحاتهم المستقبلية بوعي، ولذا يركز كل شخص على التفاصيل التي تهمه مستقبلاً.
تختلف هواجس العاملين بين تبنين وصيدا، لكن المبدأ واحد: إكساب الفئة المستهدفة مهارات حياتية يستطيعون بدورهم نقلها إلى أترابهم. هذا ما يطمح إليه مشروع «قدموس» كما يقول القيّمون عليه: «أن يستمر انتقال المهارات من شخص لآخر بعد انتهاء مدة المشروع»، هذا طموح مشروع.