طارق ترشيشي
من بنشعي البلدة الزغرتاوية الوادعة يتابع زعيم تيار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية كل مجريات السياسة الداخلية والإقليمية والدولية. هادئ كهدوئها، وديع كوداعتها، كريم مضياف، لا تفارقه طيبة أبناء القرى وتواضعهم. سبق كثيرين من أبناء جيله قياسياً في ترقي سُلَّم الزعامة، صحيح أنه ورثها عن جده الرئيس الراحل سليمان فرنجية، وعن والده النائب والوزير الراحل طوني فرنجية، لكنه في كل مواقفه وتصرفاته يوحي أنه صنع زعامته بنفسه.
محبوب «سليمان بك» في بيئته ومنطقته ولدى كل جمهور المعارضة. يحمل همَّ المسيحيين في لبنان والشرق تماماً إلى جانب همِّ بقية الطوائف اللبنانية وهمِّ العرب. هو مسيحي بامتياز، لكنه لبناني وعربي بامتياز. جريء، لا يوارب ولا يداور، يسمي الأشياء بأسمائها. يخاصم، لكنه يحترم الخصم ويعترف له بما لديه من إيجابيات.
يبدأ الحديث السياسي مع الزعيم سليمان فرنجية ولا ينتهي، فتكتشف أنه متابع دقيق للأوضاع كمتابعته اليومية لشؤون قاعدته الشعبية المسيحية والشمالية. وسيع الاطلاع، عميق التجربة، عاصر الكبار منذ فتوته حتى وصل إلى مصافهم، وفجيعته بوالديه اللذين استشهدا في مجزرة إهدن جعلته أكثر التصاقاً بالناس وحباً لهم. يأخذ بيد المحتاج منهم، ويشجع الطموح، وينشر بينهم روح التعاون والمحبة والتآلف، وهو ما يدأب عليه في تيار «المردة» الذي يتزعم.
ينظر فرنجية إلى الحوار الدائر بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري بكثير من الحذر. هو يؤيد هذا الحوار، ويأمل أن ينتهي إلى اتفاق على حلول واقعية للأزمة، لكنه ليس متفائلاً لشعوره بأن الفريق الأكثري لا يريد تلبية مطالب المعارضة، وخصوصاً تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على أساس 19 وزيراً للموالاة و11 وزيراً للمعارضة.
ويشير فرنجية إلى أن الأكثرية لم توافق حتى الآن على هذا المطلب. ويضيف أنه إذا تم الاتفاق على إعلان نيات قبل القمة العربية فإنه سيكون مجرد هدنة لأن الأكثريين يراهنون على واشنطن. ويقول: «إنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة الأميركية ستوجه ضربة عسكرية لإيران أو لسوريا، لكن عليهم أن يدركوا أن أي ضربة من هذا النوع ستنتصر فيها إيران وسوريا».
ويحذر فرنجية من أن لا حل للأزمة إذا لم تشكل حكومة الـ«19 + 11» مضيفاً: «أخشى أن تستمر الأزمة إلى أن نصل إلى استحقاق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وعندها لن يحصل انتخاب رئيس جديد».
وإذا حصل اتفاق وتألفت حكومة على أساس 19 + 11، فإن فرنجية يقول إنه لن يشارك فيها شخصياً أو عبر ممثلين «وإني أعتبر أن العماد ميشال عون يمثلني». ويضيف: «أقبل أن أكون نائباً على رأس كتلة نيابية إذا جرت انتخابات، أما مشاركتي في الحكومة عندها فتكون من خلال ممثل لي، أو من خلال حلفائي».
ويشير فرنجية إلى تمسك المعارضة بإقرار قانون الانتخاب بالتزامن مع الحكومة والمحكمة في أي اتفاق مع الأكثرية، ويؤكد تمسكه وعون باعتماد القضاء دائرة انتخابية واحدة، مشيراً إلى المشروع الذي أعده يوم كان وزيراً للداخلية في حكومة الرئيس عمر كرامي. ويرى أن هذا المشروع هو الأقرب إلى ما تريده البطريركية المارونية. واستغرب كيف أن مسيحيي 14 آذار لم يوقعوا بعد «ميثاق الشرف» الذي كان وقعه وعون، متسائلاً عن موقف الكنيسة المارونية إزاء هذا الأمر .
وإلى ذلك يسأل فرنجية عن التقرير الجديد للقاضي سيرج براميرتس ويشير إلى الجانب السياسي الذي يسلط التقرير الضوء عليه أكثر من النواحي الأخرى لجهة ترجيح أن يكون الدافع إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري القرار 1559 والتمديد للرئيس إميل لحود والاعتقاد بأنه سيكتسح الانتخابات النيابية التي جرت في ربيع 2005. ويقول إن ما يعرفه هو أن الرئيس الحريري كان قبيل اغتياله على علاقة جيدة جداً مع القيادة السورية، وإن فرضية أنه كان سيكتسح الانتخابات ليست واقعية، لأنها كانت ستجرى على أساس القضاء دائرة انتخابية حسب قانون 1960 أو غيره، وفي هذه الحال لم يكن في استطاعة الحريري أن يفوز بالأكثرية النيابية، علماً بأنه لم يكن في وارد التصادم مع سوريا من خلال الانتخابات أو غيرها.
وبعد أن يورد فرنجية بعض الوقائع عن لقاءات الحريري مع المسؤولين السوريين في تلك الفترة، يقول إن كثيراً مما قيل عنها من أنها كانت سلبية ليس صحيحاً.
ويعتقد أن إمكان عودة المياه إلى مجاريها بين دمشق ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط غير متاحة، لأن القيادة السورية ليس في إمكانها اتخاذ خطوة من هذا النوع، إذ إن القانون السوري يقضي بسجن كل من يتهجم على رئيس الجمهورية مدة عشر سنوات، فكيف لها أن تتصالح مع جنبلاط الذي هاجم الرئيس السوري مراراً ولا يزال. وذكر فرنجية أنه عندما توسط أحدهم لدى الرئيس بشار الأسد لاستقبال جنبلاط، استبعد الرئيس السوري هذا الاحتمال، لكنه قال لسائله إنه لا يريد شيئاً منه.
وعندما يُسأل فرنجية عن انتخابات رئاسة الجمهورية فإنه يستبعد أن تحصل في موعدها في ظل الأزمة القائمة بين الأكثرية والمعارضة، ويؤكد أن مرشحه للرئاسة كان ولا يزال عون، مشيراً إلى المحبة الكبيرة التي يكنها له الأخير ومناصروه في التيار الوطني الحر وخارجه. ويقول إن فرص بقية المرشحين ليست متاحة لاعتبارات تتصل بخلفياتهم السياسية التي ترضي فريقاً ولا يرتاح اليها آخر، مقدراً للبعض منهم خصالاً حميدة، منها رفضهم الاستزلام لبعض القوى الداخلية النافذة سياسياً ومالياً.