حاوره:نقولا ناصيف
يرفض النائب بطرس حرب تحوّل رئاسة الجمهورية إلى «شجرة مشمش» يهزّها التجاذب السياسي والتهديد بتعطيل النصاب، بما يؤدي إلى ضرب موقع الرئاسة وإفقاده دوره. يطلب رئيساً محاوراً لسوريا لتصويب علاقات البلدين لا يُدخل لبنان في هدف تقويض النظام السوري. لا يؤمن بأعجوبة استقالة الرئيس إميل لحود، ويفضّل انتظار المهلة الدستورية. لم يعد بقاء لحود محرزاً
  • كيف تفسر استمرار الحوار رغم العقبات؟
    ــ الحوار ليس خياراً، بل هو حاجة فرضت نفسها على أطراف الخلاف السياسي في لبنان، بل كانت هناك ممارسة ضغوط على الأطراف للتفتيش عن مخارج بعدما أخفقت المحادثات السعودية ــــــ الإيرانية بعد التوصل إلى تصور ما في وضع هذا التصور موضع التنفيذ، فاصطدمت بعقبات. واضطر الجانبان للضغط على الأطراف اللبنانيين لإيجاد مخرج يخفف حدة المواجهة في لبنان، ولا سيما على الصعيد السني ــــــ الشيعي، على أمل أن تكون القمة العربية مناسبة لدفع الوضع الداخلي إلى الأمام ومساعدة اللبنانيين على إيجاد الحلول الجذرية. موضوع المحكمة الدولية شكل العقبة الأساسية في التوافق السعودي ــــــ الإيراني الذي كان يستند إلى إدخال سوريا في هذا الحوار من خلال ما يعنيها من المحكمة. لكن يبدو أن الموقف السوري لم يكن إيجابياً.

  • لكن النتيجة الوحيدة من الحوار الداخلي حتى الآن هي تخفيف الاحتقان السني ــــــ الشيعي؟
    ــــــ هناك أولاً إشاعة مناخ إيجابي أشجعه لأنه يخفف حدة المواجهة، ويعطي مجالاً للمتحاورين للنجاح. لكن علينا ألا نبالغ في التفاؤل وكأن المشكلة حلت كما يذهب البعض إلى ذلك. علينا التعامل بروح إيجابية للغاية، لكن بحذر في الوقت نفسه لئلا نخدع أنفسنا والناس فيصابوا بخيبة أمل. أما الجانب الآخر من المشكلة، فهو التوصل إلى حل لموضوع المحكمة الدولية، إذ أعتقد أن المشكلات الأخرى لن يكون صعباً حلها. وعندما نتوافق على موضوع المحكمة في إطار اتفاق لبناني ــــــ لبناني مقرون بموافقة دولية وسورية عليه، لا تعود الأزمة الحكومية مستعصية، ويمكن عندئذ التوصل إلى حبكة بطريقة ذكية وعملية، وهي إخراج الأفرقاء من شعاراتهم وطروحاتهم السابقة، وتناول الموضوع من زاوية أخرى. العدد ليس إلا ترجمة لموقف سياسي، إذا حللنا المعضلة السياسية فلا يعود العدد مهماً. رفض نصاب 19 + 11 من الأكثرية هو لمنع المعارضة من التحكم بمصير الحكومة. وإذا وجدنا طريقة تمنع المعارضة من التحكم بمصير الحكومة وعمل مجلس الوزراء، أي أن يكون الوزراء حاضرين وأن لا يعطلوا اجتماع مجلس الوزراء أو يستقيلوا. سبق أن طرحت أن يكون الوزير الحادي عشر بضمان بكركي لحضور الجلسات وعدم استقالته. لكن البعض رد على هذا الاقتراح بأنه غير دستوري. الواقع أن اقتراحي سياسي، وليس دستوري، لأننا كلنا نعلم في الأنظمة الديموقراطية أن دخول وزير إلى حكومة، مرتبط بالتزامه سياسة الحزب أو الحركة السياسية التي ينتمي إليها واحترام مبادئه، وإذا توجه مجلس الوزراء في اتجاه مغاير فلا يكون أمام هذا الوزير إلا التصويت ضده أو الانسحاب من الحكومة التزاماً بمبادئ حزبه إذا كان معارضاً القرار الحكومي. وإذا حاولنا جعل الوزير الحادي عشر لأسباب سياسية يلتزم الضمانات التي تحول دون تعطيل مجلس الوزراء أو إسقاط الحكومة، فإن ذلك لا يعني مخالفة أو خرقاً للدستور، بل في صلب الممارسة الديموقراطية الصحيحة، علماً بأننا سنعلن هذه الضمانات مسبقاً.

  • كل طرف يدخل إلى الحوار، ولديه جدول أعمال مختلف عن الآخر. المعارضة تقول بالحكومة أولاً، والأكثرية تقول بالمحكمة الدولية أولاً.
    ــ قد لا يكون في الأمر مشكلة ما دام الموضوعان يوضعان في سلة واحدة. لكن المثير للسخرية هو التجاذب السياسي والروح الدونكيشوتية لدى بعض الأطراف الذين يسعون إلى تسجيل انتصار أو مكسب. مثلاً قانون الانتخاب، هل هو مطلب المعارضة؟ نحن أصحابه، وهذا مطلبنا منذ سنوات. وأنا أرى أن أي اتفاق جدي لا يتضمن قانوناً للانتخاب يحفظ للمواطن حقه في صحة التمثيل النيابي سيكون ناقصاً وغير كامل، ولا يجوز أن يحصل. يجب أن نسقط هذه العقلية الدونكيشوتية في تسجيل انتصارات وهمية لسنا في حاجة إليها اليوم، بل في حاجة إلى الخروج منهاأصبحنا أسرى الحاجة بأن هذا الفريق أو ذاك سيسجل انتصاراً على الآخر. الانتصار الذي يجب أن يسجل هو أن يكون للبنان، لا مع هذا الفريق ضد ذاك ولا العكس، الحال التي وصلنا إليها هي أن كل الأطراف عجزوا عن أن يقدموا إلى الرأي العام نتائج لطروحاتهم، وذهبوا بالرأي العام إلى مكان لا يستطيعون من خلاله تحقيق أهدافهم.

  • أين المسيحيون من هذا التفاوض اليوم؟
    ـــــ لا بد أولاً من إيضاح اجتماعات التفاوض، وهو أن الهدف منها نزع فتيل الانفجار بين السنة والشيعة، وناتج من التشاور الذي حصل بين السعودية وإيران، أي بين الدولة الأكثر تمثيلاً للسنة والدولة الأكثر تمثيلاً للشيعة. هذا هو هدف الاجتماعات بعد الذي حصل في 25 كانون الثاني وكاد ينزل بلبنان إلى فتنة مذهبية شبيهة بالعراق. وهذا هو سبب وجود الرئيس بري والنائب الحريري بتخفيف حدة الاحتقان في الشارع، وللحوار آلية ووسائل، ولا يمكن بدء البحث بمجموعات وجهاً لوجه لإعادة خلق مناخ للحوار، ولبدء ترميم جو الثقة لا بد لمثل هذه الجلسات. لكن لا الصورة هي التي تقرر دور المسيحيين ولا المطالبات والشكوى تعبّر عن غيابهم. وعندما نصل إلى مستوى يتحول معه هذا الحوار، من كيفية وضع آلية له، إلى مرحلة اتخاذ القرار، عندئذ من حق الرأي العام أن يسأل عن دور المسيحيين. اليوم نحن مرتاحون إلى اجتماع النائب الحريري الذي هو رئيس أكبر كتلة نيابية مع الرئيس بري الذي هو رئيس كتلة نيابية كبيرة في المعارضة. هذا الأمر لا يزعجنا ما دام يخلق أجواء حوار ويطلق آلية لهذا الحوار.

  • يبدو اليوم أن المحكمة مطلب سني، والحكومة مطلب شيعي، في حين أن مطلبي المسيحيين رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب مؤجلان؟
    ــــــ لا أوافق على تصنيف الملفات على هذا النحو، أولاً مطلب المحكمة الدولية ليس مطلباً سنياً، بل مطلب لبناني لأننا لسنا في صدد الثأر من اغتيال الرئيس الحريري، وليس الأمر مطلب عائلة أو طائفة، بل نحن في صدد إرساء آلية لمحسابة كل من يغتال في لبنان ويحول الاغتيال إلى وسيلة سياسية ولغة تخاطب سياسية، ويتجاوز ذلك الرئيس الحريري إلى كل الضحايا الآخرين الذين هم جميعهم مسيحيون. إذاً المحكمة ليست مرتبطة باستشهاد الرئيس الحريري والتحقيق في جريمته بمقدار ارتباطها بكشف مرتكبي الجرائم الأخرى أيضاً. طبعاً حجم الرئيس الحريري وأهميته ودوره له وزنه الكبير في هذا الموضوع. لكن المطلب هو مطلب لبناني ووطني، وهكذا يجب أن يكون، وعندما يتحول مطلب عائلة أو طائفة فلسنا معه. القصد من المحكمة إحقاق العدالة وإنزال العقاب في من ارتكب هذه الجريمة وسائر جرائم القتل السياسية. كذلك ليس صحيحاً أن تأليف حكومة جديدة شيعي، بل مسيحي أيضاً وقوى المعارضة كلها، وهو مطلب العماد ميشال عون وسليمان فرنجية وطلال أرسلان وسواهم. قد يكون الشيعة هم الفريق الطاغي في المعارضة، لذلك أعتقد أنه عندما يمكن التوصل إلى اتفاق على موضوعي المحكمة الدولية والحكومة يمكن الانتقال عندئذ إلى الملفين المهمين أيضاً، وهما رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب وربما سواهما. أما متى يصبح المسيحيون والموارنة خصوصاً في خطر، فعندما تصبح رئاسة الجمهورية في مهب الريح وموضع تجاذب وجزء من لعبة سياسية تطاول موقع الرئاسة، كالقول مثلاً، وهذا هو المطروح حالياً، بأنه إذا ما اتفقت المعارضة مع الأكثرية على رئيس ما، فهذا يعني أن المعارضة تهول وستمنع حصول النصاب القانوني، وتالياً ستمنع انتخاب رئيس للجمهورية. يعني ذلك إسقاط موقع رئاسة الجمهورية ووضعه في بازار الاتفاق سواء على أسوأ الناس أو حتى على أحسن الناس، لكن الأمر يؤدي إلى إفقاد الرئاسة موقعها وقدرتها على إدارة شؤون البلاد. هذا هو الخطر الحقيقيلن نقبل بتحويل رئاسة الجمهورية إلى شجرة مشمش يحركونها في التجاذب السياسي لتعطيل الانتخابات، لذلك كنت قد تحدثت سابقاً مع رئيس المجلس في إتمام سلة حلول لما يتفق عليه لإطلاق تسوية، واقترحت أن تتضمن مشروع المحكمة والحكومة والقرار 1701 وقرارات الحوار الوطني ورئاسة الجمهورية، يومذاك أجابني الرئيس بري، وكان ذلك قبل شهرين: مواضيع المحكمة والحكومة والقرار 1701 اتفقنا عليها، أما الرئاسة فلا تتوافر عناصر حلها لدينا الآن، ولا يمكن إدخالها في التسوية منذ الآن لعدم قدرتنا على ذلك ولئلا تعطل سائر الحلول. وأريد أن أضيف أننا كأكثرية لسنا في حاجة إلى إجراء صفقة مع إميل لحود لتقصير ولايته، لأن الأمر لم يعد يحرز، والوقت الباقي من ولايته ليس طويلاً حتى يوجب مثل هذه الصفقة أو إجراء مقايضة معه. في كل حال، في الرئاسة، المقايضة لا تكون معه.

  • ماذا تعتقد أن الرئيس لحود سيورثك كمرشح محتمل للمرحلة المقبلة؟
    ــــــ أرى أن المهمة المقبلة هي الأصعب. لأن الرئيس الجديد سيتسلم رئاسة مهلهلة ومنهكة، واعتاد السياسيون التطاول عليها وغير محترمة. وكنت أتمنى لو أن الرئيس لم يترك الرئاسة على هذا النحو. كذلك فإن المهمة المقبلة شاقة: استعادة احترام الرئاسة وبريقها وهيبتها، وعلى الرئيس الجديد أن يبقى بعيداً عن التجاذبات السياسية اليومية، وأن يكون مشرفاً على الحركة السياسية، لا فريقاً غارقاً في الصراع السياسي، وأن يحسن الرئيس ممارسة صلاحياته وألا يعتدي على صلاحيات سواه، لكن ألا يسمح لأحد بالاعتداء على صلاحياته هو، وأن يحمل الرئيس توجهاً ورؤية، ولا أقول برنامجاً، لأنه لا يتخذ القرارات. أنا من دعاة أن يكون من هذا الفريق، لكن أن يكون في المقابل على تواصل مع سائر القوى السياسية. طبعاً لا أعتقد أن هناك رئيساً لا موقف له. وإذا كان هناك من لا موقف له فأتمنى ألا يصير رئيساً. لكن المطلوب انتخاب رئيس قادر على التواصل مع الجميع، وأن يكون على مسافة من الجميع للاضطلاع بدوره كراع للحياة السياسية وكحكم في الخلافات في اللبنانيين. لا نستطيع الإتيان برئيس من خارج الحياة السياسية، ولا رئيس لا موقف سياسياً له أو هو خارج الصراع، بل رئيس في قلب الحياة السياسية وله خبرة ورأي وليس رئيساً أشبه بصندوق مقفل نكتشفه في ما بعد. المطلوب رئيس يعيد الحوار بين القوى السياسية ويحمي الثوابت التي سيدافع عنها كرئيس، كوحدة لبنان ونظامه الديموقراطي، والإشراف على عمل المؤسسات الدستورية وتوجيهها في تأمين مصالح لبنان والتعاون مع الحكومة وترؤس جلسات مجلس الوزراء. الرئيس ليس خيال صحراء.

  • أنت قادر على الاضطلاع بهذا الدور؟
    ــــــ في الحقيقة لم أضع هذه المواصفات كي أرى تطابقها عليّ، بل وضعت المواصفات الذاتية والموضوعية لأي رئيس مقبل مؤهل للمنصب. وطبعاً هناك شخصيات عدة قد تكون مؤهلة وعددها في أي حال ليس كبيراً. لا نستطيع الإتيان برئيس لا لون ولا طعم له، لا تاريخ له ولا رأي سياسياً له، وسواء في 8 آذار أو في 14 آذار علينا أن نرى المؤهل بين الأسماء المؤهلة للاضطلاع بهذا الدور كي نختار من هذه الأسماء.

  • أين موقع سوريا في هذا الاستحقاق؟
    ــ من الغباء التصور أن خروج سوريا من لبنان أنهى دورها. خرجت عسكرياً، لكنها موجودة سياسياً. وهي تتفاعل باستمرار مع ما يجري في لبنان، هي جارة لبنان ودولة أساسية في المنطقة وسيبقى لها إلى حد ما في إطار استقلال لبنان وسيادته تفاعل وتأثير في المجتمع اللبناني. ومن يظن أن لا رأي لها ولا دور في الاستحقاق أظنه مخطئاً. وإذا أردنا المجيء برئيس بروح توافقية بما لا يتناقض مع نوعية المرشح، فلا إمكان لانتخاب رئيس يكن العداء أو يريده لسوريا، بل أن يكون قادراً وأولى مهماته إعادة العلاقات إلى طبيعتها وأن يرسي مناخاً جديداً في إطار الاحترام المتبادل والتعاون والعلاقات المميزة حتى. أما إذا تعذّر التوافق وقررت الأكثرية انتخاب رئيس بأصواتها، فإن الإتيان برئيس مقطوعة علاقاته بسوريا مؤداه إدخال البلد في مشكلة، الأمر الذي لا يساعده في الحكم. طبعاً لا تريد الأكثرية رئيساً تابعاً لسوريا وخاضعاً لها، بل أن يكون قادراً على فتح حوار معها والانفتاح وتصويب العلاقات بين البلدين وأن يكون مؤمناً بأن لبنان وسوريا لا يستطيعان أن يكونا عدوين. إذا كنا نريد مصحلة لبنان فلا نستطيع انتخاب رئيس تكون مهمته الأولى القضاء على النظام السوري، أو تدخل لبنان في تقويض النظام السوري. عندئذ لا يكون رئيساً حاملاً مشروعاً لحل المشكلة اللبنانية.