إبراهيم الأمين
الى جانب البحث السياسي في ملفي الحكومة والمحكمة الدولية، نجحت قوى المعارضة في جعل قانون الانتخابات مادة إضافية في البحث برغم التحفظ القائم من جانب فريق 14 آذار. حتى إن البطريرك الماروني نصر الله صفير مارس من جانبه ضغطاً بدا أكبر على مسيحيي السلطة عندما قال إنه يجب إقرار القانون الآن والعمل لأجل انتخابات تعطي المسيحيين الهامش الموجود عند المسلمين، وهو الموقف الذي سيترك أثره على مجمل البحث، وخصوصاً أن صفير لا يتوقف عن إعطاء الإشارات السلبية إلى حجم الحضور المسيحي في دائرة القرار في البلاد، وإن كان في هذه النقطة لا يميّز بين مسيحيّ معارض او مسيحيّ موال. لكنه شعر في الآونة الأخيرة بأن بين مسيحيي المعارضة من يتصرف بمسؤولية أكبر إزاء هذا الملف، من دون أن يكون قد حمّل الآخرين مسؤولية التفريط بما درج الجميع على تسميته “حقوق المسيحيين”.
ومع أن التفسيرات ظلت متضاربة في شأن حقيقة موقف صفير من ملفي الانتخابات النيابية والرئاسية، إلا أن المعضلة تتركز على قدرة صفير او غيره من القادة المسيحيين على جعل الأمرين في رأس أولويات البحث الجاري الآن بين الطرفين المسلمين البارزين في لبنان. لكن في ما خص المحكمة الدولية، كان صفير قد حذر شخصياً أو من خلال مجلس المطارنة من مخاطر الفصل السابع، ويومئذ قال المعارضون إنها رسالة قوية ضد سلوك فريق الأكثرية، لكن النائب سعد الحريري الذي زاره قبل مباشرته الحوار مع الرئيس نبيه بري، نقل عنه أنه ليس معارضاً لمبدأ إقرار المحكمة، وأنه عندما تحدث عن الفصل السابع إنما أراد تحذير الآخرين من مغبة ترك ملف المحكمة يقر من خلال الفصل السابع. ويفترض المقربون من الحريري والذين يعملون على خط الاتصالات ببكركي أنه جرى استــــــــغلال بيان المطارنة وأُعطي تفسيرات على غير حقيقته، وهو ما يخالف كلاماً لمرجع في قوى المعارضة المسيحية الذي يقول إن صفير كان يريد البعث برسالة الى فريق 14 آذار وإلى الدول الداعمة له في الخارج بأنه لا يمــــــكن تدميــــــر البلاد لأجــــــل إقرار المحكمـــــــة. وهو أمر لا يعلق عليه صفير دائماً.
إلّا أن الموقف من الحوار القائم حالياً لا يأخذ في الاعتبار موقفاً مسيحياً سلبياً منه، لا بل إن صفير الذي لا يخفي شكواه من عدم وجود شخصية مسيحية في قلب الحوار الأصلي، يكرر أمام زواره أن مصلحة المسيحيين جزء من مصلحة لبنان، وإذا كان التوافق السني ــــــ الشيعي فيه مصلحة للبنان فهذا يصيب إيجاباً المسيحيين. لكن ذلك لا يعفي الفريقين المسيحي والمسلم من النظر بجدية الى ملف قانون الانتخابات أو الى ملف الرئاسة، رغم أن صفير لا يريد أن يكوي يديه او يكوي المسيحيين بنار المعارك الرئاسية إن هو دعا الآن الى فتح الملف الرئاسي، وهي أصلاً حال قادة فريق 14 آذار التي تحاذر فتح الملف الآن، لا بل إن الحريري لم يُثر الأمر إلا من زاوية القول إن هناك مصلحة في انتخاب رئيس جديد من جانب المجلس النيابي الحالي، لكن الحريري، كما في كل مرة سابقة، لا يجيب عن سؤال في شأن: من هو مرشح فريق 14 آذار للرئاسة الأولى، لأنه بمجرد أن يفكر في الأمر سوف يجد نفسه أمام معركة تمزق فريق الأكثرية وتجعله يخسر الأكثرية إن نجح المعارضون في إدارة المعركة بطريقة مختلفة.
إلّا أن الشعور الأعم هو أن الملف الانتخابي ليس في أولوية المتحاورين، لا بل إن الأمر يتعلق أكثر بمواقف الأطراف الأساسيين، حيث إن تحالف العماد ميشال عون والنائب السابق سليمان فرنجية واضح وحاسم في أن القانون الانتخابي يوازي في أهميته قانون المحكمة الدولية، وليس هناك إمكان لإقرار قانون دون الآخر، وهو الأمر الذي يبدو كلاماً في الهواء عند فريق الأكثرية، حتى إن قطباً بارزاً في 14 آذار قال إن هناك إمكاناً لاتفاق على المحكمة والحكومة لكن لن يكون هناك إمكان للتفاهم بدءاً من الآن على قانون الانتخابات. وهذا الموقف يفسر بقوة امتناع الفريق الأكثري عن الأخذ برأي صفير في هذه اللحظة، علماً بأن هذا الفريق لطالما كان يغطي مواقفه من أمور وطنية عامة بما يصدر عن بكركي أو عن صفير نفسه. وهو الأمر الذي ينعكس برودة في علاقة بكركي بجماعة الحريري من مسيحيي السلطة الذين لا يتوقفون عن زيارة بكركي وإطلاق المواقف باسمها.
وبحسب المعلومات عما شمل القانون الانتخابي من حوار بين بري والحريري، فإن الأخير أظهر تفهمه لمطلب صفير لكنه رمى بالكرة مباشرة في ملعب بري بسؤاله: أي قانون تريده المعارضة؟ فكان جواب بري أن الرأي الأغلب مع القضاء، لكن النقاش يجب أن يكون ضمن اللجنة المشتركة. وهو ما دفع بالحريري الى القول إن مشروع القانون الذي أعدته الهيئة الوطنية برئاسة الوزير الأسبق فؤاد بطرس يصلح أساساً للنقاش. لكن الأكيد بالنسبة إلى فريق المعارضة أنه مع مناقشة مستفيضة شرط أن تتم في إطار اللجنة المشتركة، لا أن يصار الى استدراج عروض من جانب الأكثرية التي تريد كل شيء قبل الجلوس الى طاولة البحث، وهو الأمر الذي ينعكس سلباً على كل آليات الحوار أصلاً. ومع أن فريق 14 آذار لا يريد أن يدخل الآن في هذا النقاش فإن قوى المعارضة باتت أكثر جدية مع وجود قرار لدى قيادتي التيار الوطني الحر وحزب الله بالدخول في بحث يخرج بموجبه مشروع قانون للانتخابات يكون أساساً لجميع قوى المعارضة. علماً بأن القرار الجديد لدى حزب الله يقول: نتعامل مع قانون الانتخابات وفق مصالح الحلفاء في المعارضة أولاً والمصالح الأخرى ثانياً. وهو التطور الأكبر الذي سينعكس على الوضع السياسي الإجمالي.
يقول إيلي الفرزلي: عندما يخوض الشيعة معركة الديموقراطية التوافقية فهذا يعني أن مصلحة المسيحيين أساسية. وهذا تطور لا يستطيع فريق 14 آذار أن يغطي عليه بأزماته.