الهرمل ــ رامي بليبل
حكاية القرى الجردية في أعالي الجبال بين قضاءي الهرمل وعكار غريبة ومميزة، فريدة وطويلة. تبقى لكل قرية هناك نكهتها المختلفة مع المعاناة، وحكايتها الخاصة مع القهر والظلم.
قرية «الرويمة» البقاعية من هذه القرى التي تقع على الحدود بين قضاءي عكار والهرمل، تتبع إدارياً محافظة الشمال، وسكانها مسجلون في سجلات النفوس في الهرمل.
تقع قرية الرويمة في جبل أكروم، وتبعد عن الهرمل حوالى 40 كيلومتراً لجهة الشمال، موقعها الجغرافي المميز والجميل لافت، إذ تطل على ساحل محافظة الشمال من جهة الغرب، وعلى بحيرة حمص السورية القريبة من جهة الشرق بارتفاع (1200) متر عن سطح البحر، عدد سكانها يقارب /750/ نسمة، يهجرها قسم منهم في فصل الشتاء إلى البلدات والمدن المجاورة هرباً من الثلوج التي تتراكم متجاوزة الخمسة أمتار، فضلاً عن البرد القارس وغياب متطلبات التدفئة المناسبة.
جميع سكان البلدة من عائلة جعفر، وهؤلاء يشكون الحرمان على كل الصعد، فالمدرسة الابتدائية الرسمية تواجه خطر السقوط فوق رؤوس التلاميذ، وشبكة مياه الشفة التي أنشئت في الستينيات مهترئة كلياً، والمستوصف التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية يحتاج إلى الأدوية والأمصال ووسائل الإسعافات الأولية، حتى يتمكن من تلبية أبسط الحالات المرضية، إضافة إلى عدم وجود هاتف فيها، وانعدام الإنارة على الطرق الرئيسية، علماً بأنها تواجه أعطالاً دائمة في شبكة الكهرباء.
وأهم ما يشكوه الأهالي هو فقدان وضياع انتمائهم الإنمائي الذي هم في حاجة ماسة إليه. فوجودهم في عكار واقتراعهم في الهرمل، يحرمهم نعمة اهتمام نواب الشمال بهم وعدم اهتمام نواب بعلبك الهرمل، لكونهم يقطنون في محافظة الشمال، ما خلا بعض المساعدات والتدخل لفض النزاعات، هذه المشكلة أضافت مشكلة أخرى إلى واقع قرية «الرويمة» المرير والمزري أصلاً منذ عشرات الأعوام.
ويقول السيد نعمة جعفر، أحد المهتمين بالمسائل الإنمائية في القرية: «إنها المرة الأولى التي نرى فيها اهتماماً إعلامياً بنا لنقل معاناتنا إلى الجهات المعنية، لذلك سوف أشير بصراحة إلى مشكلاتنا الرئيسية والأساسية، الخدمات الرئيسية معدومة نهائياً فشبكة مياه الشفة مهترئة وتحتاج إلى صيانة، والكهرباء ليست بأفضل حال، فالأسلاك مقطوعة بشكل دائم والطرق ملأى بالحفر، وهي أشبه بالطرق الزراعية، ونحن نتعرض بكل معنى الكلمة لحملة تمييز إنمائية قاسية من المعنيين. على سبيل المثال، شبكة الهاتف شملت القرى المجاورة باستثناء قريتنا، علماً بأنها لا تبعد سوى أربعة كيلومترات عن مركز الهاتف المجاور، إضافة إلى أن الدولة أنارت البلدات والقرى عدا قريتنا أيضاً، وهذا ما يشعرنا بالظلم والقهر، ورغم مراجعاتنا المتكررة في هذا الشأن إلا أننا لم نلق آذاناً صاغية.
أما علي محمد جعفر ( 75 عاماً) فأشار إلى أن أكثرية السكان تهاجر شتاءً إلى طرابلس أو الهرمل، والبعض إلى القرى السورية المجاورة نظراً إلى الظروف الاقتصادية لكل مواطن. ويعتمد الأهالي بشكل أساسي على الزراعة إضافة إلى التجارة الحرة لتوفير لقمة العيش، كما يعتمد البعض منهم على أولاده الذين يعملون في بيروت.
وأضاف: «الوضع الاقتصادي صعب جداً في «الرويمة»، والدولة لا تهتم بنا إطلاقاً، ولا أذكر منذ عشرات الأعوام أي زيارة لأي مسؤول أو وزير إلى هذه القرية باستثناء الزيارة التي قام بها الرئيس رشيد كرامي عام 1960 من أجل حل بعض المشكلات في حينه». ولفت عبده محمد جعفر إلى أن الرويمة من أكثر القرى المحرومة في المنطقة نظراً لغياب الاهتمام الرسمي بها من نواب الشمال ونواب بعلبك الهرمل.
وعلى رغم الكثير من المشكلات التي ترزح تحت وطأتها هذه القرية القابعة في مجاهل الجمهورية العتيدة، إلا أنها تتميز بجمال أخّاذ وهواء عليل وطبيعة خلابة لم تعبث بها يد الإنسان التي لطالما سرقت الطبيعة سحر جمالها.