راشيا ـــ عساف أبو رحال
انه موسم الحراثة، ينهمك فيه المزارعون في إعداد العدة لحراثة حقولهم وبساتينهم، لا سيما كروم الزيتون حيث تكون الأرض رطبة بعض الشيء، بهدف إيجاد طبقة ناعمة من التربة تحفظ الرطوبة صيفاً، مستخدمين بذلك إما جرّاراً زراعياً أو محراثاً خشبياً يجره ثوران أو بغل أو حماران.
وفي بلدة ضهر الأحمر قضاء راشيا الوادي، ينهمك الحرفي أبو يوسف كنج الطويل (82 عاماً) في تلبية حاجات الفلاحين من المحاريث الخشبية القديمة الطراز، وبعض قطع الغيار البسيطة لها المصنوعة من خشب السنديان، لكونه الوحيد في منطقة وادي التيممحترف أبو يوسف عبارة عن دكان صغير متواضع ملحق بركن داره، وهو فلاح قديم بامتياز، لكنه يصنع المحاريث لحرّاثين آخرين، مستخدماً تقنيات موروثة وعدة يدوية بسيطة متواضعة، معتمداً على خشب السنديان غالباً. ويقول: «أصعب المراحل في هذه الحرفة البحث عن غصن سنديان يتلاءم شكله الهندسي وهيئة المحراث، وهناك فترة زمنية يجوز فيها قطع الحطب تمتد بين أيلول وآذار من كل عام». ويجهل أبو يوسف تاريخ نشأة المحاريث لكنه تعلّم الصنعة من عمه، ويشير إلى تدني عدد الحرّاثين في مناطق راشيا والبقاع الغربي وحاصبيا، ومعهم تدنى عدد «الفدادين»، بعد دخول الآلة معترك الفلاحة، ورغبة العديد في الوظائف أو الهجرة. ويعترف أبو يوسف بثورية الجرار وقدرته الكبيرة على انجاز الكثير في وقت قصير، لكنه يستدرك ويفند مواصفات الحراثة بين الفدان والجرار، ويقول: «ما يستطيع الجرار فعله في الأراضي المنبسطة، يعجز عنه في الجلول الضيقة والشعاب المنحدرة في الجبال، ليفرض المحراث الخشبي نفسه بقوة، إضافة إلى الفارق الكبير بين سكة الفدان وسكة الجرار الآلي».
يشير أبو يوسف إلى أن تصنيع المحراث «يلزمه يومان من العمل بأدوات يدوية من مقدح ومنشار وقدوم ومنقار بعيداً عن التيار الكهربائي، والمحراث عدة أقسام هي: الذكر، البرك، الناطح، الكابوسة، المتعة، الوصلة. أما أقسام النير الذي يوضع على كتفي الفدان فهي: الكتف، الزغالي، السباني. وأما الأسعار فهي 100 الف ليرة للعود و40 ألفاً للنير، والسكة طرازها مميز يصنعها حداد عربي. ويقول إن زبائنه من كل قرى المنطقة، ومنهم من يأتي من أماكن بعيدة. بعد تراجع الطلب على المحاريث الخشبية، تحول إنتاجه إلى المحاريث الصغيرة الحجم حيث تصدر الى كندا لتوضع زينة وديكوراً يتصدر الصالونات الحديثة وتباع بأسعار جيدة حسب قوله.
كنج الطويل صاحب حرفة قديمة، تعايش مع المحراث الخشبي ولازمه 60 عاماً من حياته، وأكسبه صداقات واسعة ومعرفة امتدت لتشمل بلاد الاغتراب، هذا التعايش خير دليل على أن الجديد لا يلغي القديم خصوصاً في قرانا الجبلية، بغضّ النظر عن مصير هذا المحراث الذي بات سلعة للزينة أكثر منه للعمل، وإلى جانبه أدوات صنعه التي واكبت أجيالاً وما زالت تنعم حفراً في خشب صلب يشكل ركن هذه الحرفة التي لا بد من بقائها خدمة للأراضي الوعرة والزراعات الجبلية.