عمر نشّابة
خيط رفيع بين العدل والسياسة وبين «الحقيقة» والبرنامج السياسي وبين الاشتباه والاتهام وبين الاتهام والادانة... خيط رفيع بين القانون والدستور وبين النيابة العامّة والمحكمة وبين المصلحة والاملاك العامة ومصلحة الدولة وأملاكها... خيط رفيع بين المنطق السائد والقانون وبين النظريات البديهية ودلائل التحقيق... خيط رفيع بين العلم والعاطفة وبين الانتقاض والتجريح... خيط رفيع رفيع بين النسبي والمطلق وبين الرؤية والمعرفة وبين الكفاءة والطهارة وبين الشكل والمضمون...
خيط رفيع لدرجة انه قد يُقطع دون أن يتنبّه لذلك أحد... وتختلط مشاعر الغضب والحزن والثأر بالموقف السياسي والقرار الاتّهامي ورفض النقاش وتجاهل البحث العلمي.
خيط رفيع لدرجة أنه لا يمكن رؤيته بالعين المجرّدة بل عبر عدسة المجهر والتدقيق في التفاصيل الصغيرة... خيط رفيع لدرجة أنه يمكننا قطعه دون ان نعي ودون انتباه... أو عن سابق تصوّر وتصميم ظنّاً منّا أنه لا أحد سيلاحظ أن الخيط الرفيع انقطع... وتُصبح «الحقيقة» معروفة ومطلقة ويصبح كلّ من يناقشها كافراً وخارجاً عن «العقل والمنطق» أو عميلاً للمخابرات...
خيط رفيع بين المصلحة والحقّ... يقطع كلّ يوم... وفي التلفزيون يتنافس السياسيون على شطارة تحويل مشتبه بهم ومتّهمين بارتكاب جريمة الى مجرمين محكوم بأمرهم... وأمام الرأي العام تتحوّل الفرضيات الى ثوابت ويتحوّل السؤال والتساؤل الى خيانة وعمالة واستزلام للعدوّ...
خيط رفيع يفصل بين النيّة والعمل وبين العمل والانجاز... ويعرض وزراء ومسؤولون في الدولة إنجازاتهم وما هي سوى نيات... حسناً ولكن الخيط الرفيع يفصل أيضاً بين الحسن والمجدي وبين الكلام والافعال وبين الاستنتاج والنتيجة...
خيط بين قصر العدل ومخفر الشرطة وبين غرفة التحقيق وقاعة المحكمة وبين احترام حقوق الناس والتشدّد في الامن الوقائي... خيط يتناساه كثيرون وهم يعلمون أن باستطاعتهم اخفاء ما لا يُرى بالعين المجرّدة... خيط رفيع يحدّد التوازن والحكمة والصواب... يقطع كلّ يوم... ولا أحد يبالي