strong>رشا حطيط
يتحدث علماء نفس ومحامون عن تزايد حالات التحرّش الجنسي بالأطفال في لبنان بينما حافظت الحوادث المبلّغ عنها والمسجّلة في دوائر الدولة على نسبتها المنخفضة. ويُعد الحديث عن هذا الأمر «جرصة» أو من المحرمات، وفي بعض الحالات يلام الضحايا... ويجري كل ذلك وسط «غموض» في النصوص القانونية التي تعاقب المعتدين

أوقف رجل يبلغ 35 سنة من العمر وأحيل الى القضاء المختص منذ يومين بعد أن اشتبه فيه باغتصاب فتى في الـ15 من العمر. وذكرت معلومات أن الموقوف مشتبه فيه باغتصاب عدد من القاصرين. يطرح ذلك اسئلة عن مدى انتشار هذا النوع من الجرائم بينما يتردّد المسؤولون في الحديث عنها بسبب الحساسية الاجتماعية تجاه كلّ ما يتعلّق بالتحرّش الجنسي، فكيف في حال استهدافها الاطفال؟
يشدد المحامي هارلي البستاني على أن نسبة الحوادث المسجلة لا تتعدى 30%، وأن عدداً كبيراً من هذه التعديات لا يتجاوز مرحلة تقديم الشكوى. وقال إن «الاهل يفضلون تجنب الفضيحة، وخاصة في حال وجود صلة قربى بين المعتدي والضحية». وأفاد أن قرار القاضي «يعتمد بشكل كبير على القرائن والبيّنات. ومن هنا أهمية الإسراع في تأمين تقرير الطبيب الشرعي (خلال 48 ساعة)، مع العلم بأن كلفة هذه المعاملة (100 دولار تقريباً) تقف حاجزاً أمام عدد كبير من الضحايا وذويهم». كما اشار البستاني الى الحاجة لوجود جهاز تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، يسمح بالدخول الى منزل الطفل للتحقق من إفادته ووضعه في العائلة.
وفي هذا الإطار قالت محامية متخصّصة بهذا النوع من الجرائم لـ«الأخبار» إن «حالات الاعتداء على الأطفال التي تقدم شكوى بشأنها تكاد تنحصر في الحالات المؤدية إلى وفاة الطفل أو حدوث فضيحة. وإن امكان توافر الادلة في هذه القضايا ضئيل مما يصعب إثبات هذه الوقائع أمام المراجع القضائية». وأضافت «إن صعوبة توافر الأدلّة الحسّيّة توسع من صلاحيات القاضي الاستنسابية في تحديد مادة قانون العقوبات التي سيعمل بها لإنزال العقوبة». فبعض المفردات، كعبارة «منافٍ للحشمة» الواردة في المادة 509 من قانون العقوبات، تفتقر إلى التعريف الدقيق. إذ تنصّ المادة المذكورة على «ان من ارتكب بقاصر دون الخامسة عشر من عمره فعلاً منافياً للحشمة أو حمله على ارتكابه عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة. ولا تنقص العقوبة عن أربع سنوات إذا لم يتم الولد الثانية عشرة من عمره». وكذلك الأمر بالنسبة لعبارة «منافية للحياء» الواردة في المادة 519 من القانون نفسه، التي تنص على أن «من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصراً دون الخامسة عشر من عمره، ذكراً كان أو أنثى أو امرأة أو فتاة، له من العمر خمس عشرة سنة، دون رضاه، عوقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة اشهر».
الآثار المدمّرة للتحرش الجنسي
في هذا السياق، تحدثت الطبيبة النفسية هدى عبدو لـ«الأخبار» عن تأثير التحرش الجنسي بالاطفال على الضحية، مشددةً على أن التبعات النفسية تختلف حسب عمر الضحية عند تعرضها للاعتداء، وعدد المرات التي وقع فيها الاعتداء والمدة الزمنية، وإذا كان متواصلاً أو عرضياً، فضلاً عن نوع التحرش الذي تعرضت له وهوية المعتدي. وفي أغلب الحالات تكون للأخير علاقة ثقة وقربى بالضحية مثل أب، أخ، عم، خال، جد أو يكون معروفاً للضحية. كما أن للاعتداء الجنسي آثاراً عاطفية مدمّرة على نوعية العلاقات المستقبلية التي قد يمر بها المعتدى عليه والناتجة عن فقدان الثقة بالذات وبالآخر، كما أنه حتى بغياب حالة الجماع تبقى الجروح والندوب النفسية كبيرة، مضافاً إليها مفهوم العار الذي يشدد عليه المجتمع. وأفادت عبدو، بالاستناد الى دراسات علمية، أن ظاهرة التحرش الجنسي بالاطفال غالباً ما تتم في نطاق العائلة. فعندما يكون المعتدي صديق العائلة أو المدرّس أو الطبيب أو أحد أفراد العائلة، تسهل عملية الاستغلال. ولاحظت عبدو أن عدداً كبيراً من الحالات، وخصوصاً في حالة سفاح القربى، «يكون للأهل علم بحالة الاعتداء ولكن لا يأخذون كلام الطفل على محمل الجد او يفضلون الكتمان خوفاً من «الجرصة». وعندما تكون الضحية فتاة يفضل الأهل الاطمئنان على عذرية ابنتهم دون العمل على وضع حد لهذه الظاهرة».
وقالت عبدو إن تزايد حالات التحرّش الجنسي متعدد الأسباب وأهمها «انخفاض مستوى الوعي الضروري لحماية حقوق الطفل»، من خلال تلبية حاجاته الاساسية، وعلى رأسها العناية بسلامته وعدم تنازل الأهل عن دورهم في تربية الطفل للخدم. وتحمّل عبدو وسائل الإعلام جزءاً من المسؤولية لكونها تأخذ حيزاً متزايداً من وقت الناس واهتمامهم، إذ «يعمّم الإعلام المرئي صوراً وأفكاراً مشوّهة عن التطور والحضارة ما يساعد على إثارة الغرائز الجنسية عند المتابعين»، وكذلك «تزايد عدد الأغنيات التي تدّعي ارتباطاً بالطفولة وتضفي عليها صورة إغرائية»، ويبقى من الضروري التوقف عند تبعات ومخاطر هذه المقاربة. ففي الوقت الذي تعمل الجمعيات العالمية لحماية حقوق الطفل على الحد من التحرش الجنسي بالأطفال، يشهد لبنان موجة «فديو كليب» تعمل بكد على استغلال صورة الطفل ومقاربتها إباحياً.
وبالحديث عن القانون اللبناني، توقفت عبدو عند الخلل في التحقيقات الجنائية التي ترتكز على توافر الأدلة الحسية وتفتقر الى الاستعانة باختصاصي يستطيع تحديد صحة كلام الطفل عن تعرضه للتحرش الجنسي.
تعريف التحرش الجنسي بالطفل
تعرّف اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة (1990)، الطفل على أنه: «كل إنسان لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة، ما لم تحدد القوانين الوطنية سناً أصغر للرشد». أما مصطلح «الاستغلال أو التحرش الجنسي بالطفل» فيأتي وفق التعريفات على أنه استخدام الطفل وإخضاعه لممارسة الجنس من قبل شخص يكبره بخمس سنوات على الاقل، سواء كان ذلك بإرادته أو بالقصر والعنف، وبقصد إشباع رغبات المتحرش البالغ أو المراهق. ويتضمن الاعتداء الجنسي أشكالاً مختلفة، منها المجامعة وبغاء الأطفال وتعريض الطفل لأي سلوك جنسي، كملامسته أو حمله على ملامسة المتحرش جنسياً، بالاضافة إلى الاستغلال الجنسي للطفل عبر الصور الخلاعية والمواقع الإباحية.
ويتضمن قانون العقوبات اللبناني ثماني مواد تعمل على حماية حقوق الطفل من هذا النوع من الاستغلال. وهي تنص على إنزال عقوبة بالمعتدي تتراوح بين الحبس مدة شهرين وعشر سنوات أو الاشغال الشاقة، وذلك حسب الفعل وقدرة المعتدى عليه على إبراز أدلة حسية تفيد بوقوع الجرم، كتوافر الشهود أو صورة تفيد بوقوع التعدي أو تقرير طبيب شرعي.