أنطوان سعد
مضى زمن طويل لم تشهد فيه الرابطة المارونية هذا القدر من الاهتمام البالغ بشؤونها إن لناحية نوعية الشخصيات التي تقدمت بترشحها لتولي المسؤوليات فيها، وإن لناحية متابعة الرأي العام لمجريات الحملات الانتخابية. إذ اجتمعت في لائحة»التوافق والتحديث» التي تحمل شعار «الرابطة المارونية بأجنحة جديدة» شخصيات بارزة في عالم الاقتصاد والمال والدبلوماسية لم يسبق لها، على وجه الإجمال، أن شغلت مواقع أمامية في الرابطة. فيما تضم لائحة «التجدد الماروني» التي اختارت لحملتها شعار «مؤسسة للموارنة وكل لبنان»، معظم الشخصيات التي لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على الرابطة المارونية خلال الثلاثين سنة الأخيرة على رغم الظروف الصعبة التي اجتازتها البلاد وشتى أنواع المضايقات التي تعرضت لها المؤسسات الحزبية والسياسية المارونية.
ويقف، الأحد المقبل، المنتسبون إلى الرابطة المارونية الـ 637 الذين سددوا اشتراكاتهم السنوية من أصل 715 عضواً يشكلون الهيئة العامة للرابطة، بين خيارين: التجديد لأشخاص حملوا عبئها ويعرفون تفاصيلها وشؤونها وشجونها يطمحون إلى تنفيذ مشروع انتخابي مستند إلى خبرة قوية في الرابطة، أو إعطاء ثقتهم لمجموعة يعرفونها من بعيد لكنها أثبتت نجاحها في مجالات عامة وخاصة، وتتمتع بإمكانات وقدرات هائلة قادرة على تحويل الرابطة إلى مؤسسة قوية وعصرية تمكنها من مواجهة التحديات الهائلة التي تواجه الموارنة. فيما تعثرت المحاولات الأخيرة التي قادها رئيس الرابطة المارونية الوزير السابق ميشال إده بعد تمني البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير الذي صدر في بيان عن أمانة سر البطريركية مساء الاثنين الماضي، من أجل تحقيق لائحة إئتلافية تجمع بين الخبرة في شؤون الرابطة وبين الإمكانات والطاقات الفكرية والمالية. ويعزو أحد المرشحين المخضرمين على لائحة «التجدد الماروني» سبب تعثر التوافق إلى «أن الموارنة بطبيعتهم يحبون الديمقراطية».
اللائحتان مكتملتان، لائحة «التوافق والتحديث» برئاسة الدكتور جوزف طربيه وتضم: السفير عبد الله بو حبيب لنيابة الرئيس، والسفير سمير حبيقة للأمانة العامة، ولعضوية المجلس التنفيذي: بيار الضاهر، أنطوان شويري، فادي عبود، فرنسوا باسيل، إميل أبي نادر، عبدو جرجس، فؤاد عون، عليا برتي زين، حكمة أبو زيد، بدوي بو ديب، أنطوان بستاني، ميشال بواري، شوقي قازان، جان سلوان.
أما لائحة «التجدد الماروني» التي يرأسها الرئيس السابق للرابطة حارس شهاب فتضم اللواء أنطوان بركات لنيابة الرئيس، والدكتور خليل كرم للأمانة العامة، ولعضوية المجلس التنفيذي: شارل غسطين، جورج بشير، كلود رزق، فريد خوري، غسان خوري، لويس القسيس، جورج حايك، أسعد عميرة، وليد معوض، جورج لبكي، غازي نجيم، رشيد الجلخ، جوزف صفير، مفيد جبور. فيما لا يزال المرشحان المنفردان المحامي فرحات عساف والصحافي أنطوان شمعون مستمرين في ترشيحهما.
وتعتقد أوساط متابعة أن الرابطة ستكون بعد انتخابات الأحد في وضعية جديدة بحيث سيجد الفريق الفائز نفسه أمام معارضة قوية تصوّب له المسار بعدما رفع مستوى المنافسة المرتفع درجة اهتمام معظم أعضاء الهيئة العامة. إذ إن عدد مسددي الاشتراكات بلغ حداً غير مسبوق قياساً مع الدورات السابقة. في حين ترى شخصيات مارونية بارزة أن هذا المستوى الكبير من الاهتمام بقضية الرابطة يعكس استياء عارماً في الأوساط المسيحية عموماً والمارونية خصوصاً من أداء القيادات والتنظيمات السياسية المسيحية في المرحلة الراهنة.
يصر كل من أعضاء اللائحتين على أن «البوانتجات» تظهر فوزاً لكامل أعضاء اللائحة التي ينتمي إليها، فيما تتوقع الأوساط المحايدة أن يكون التشطيب سيد الموقف بحيث يميل الناخبون إلى تشكيل لائحتهم الخاصة من الشخصيات المرشحة على اللائحتين المتنافستين. والجدير بالذكر أن لا مؤثرات حزبية كبيرة على أصوات ناخبي الرابطة المارونية لأن عدد المحازبين فيها ضئيل جداً.
مهما يكن من أمر انتخابات الرابطة، فإن الفائز سيجد على عاتقه مسؤوليات كبيرة في مجتمع ماروني ينهض من كبوته بعد سنوات شاقة من الهيمنة السورية استهدفت في أكثر من مناسبة بنية المجتمع الماروني وقدراته السياسية والمالية والاقتصادية، وجعلته فريسة تجاذبات القوى المتحالفة معها التي تقاسمت دوره وحضوره في مجلسي النواب والوزراء وفي المؤسسات والإدارات العامة. وستكون المهمة الأولى للمجلس التنفيذي، بحسب شخصية مارونية مخضرمة، صياغة دور جديد للموارنة يعيدهم إلى قلب المعادلة اللبنانية في شكل جديد يجعلهم صمام أمان يقفل الباب أمام الرياح الإقليمية المتأججة التي تهدد الاستقرار في لبنان والوئام بين اللبنانيين.


تنافس بين لائحتين على استعادة الدور المفقود




تتنافس «لائحة التوافق والتحديث» برئاسة الدكتور جوزف طربيه و«لائحة التجدد الماروني» برئاسة الرئيس الاسبق للرابطة المارونية حارس شهاب في انتخابات الرابطة المقررة الاحد المقبل لاختيار رئيس ومجلس جديدين. وبحسب اسميهما تخوض اللائحتان الانتخابات تحت شعارين متقاربين من حيث الشكل، لكن ماذا عن الخطط والرؤى؟ وماذا في جعبة الفريقين لتحقيق استراتجيتيهما الهادفتين الى استعادة الدور المفقود للرابطة؟.
طربيه يرى أن لائحته تتطلع إلى أمرين:
ـــ الاول، تحديث الرابطة وإعطاؤها الإمكانات اللازمة لكي تقوم بما هو منوط بها. فالرابطة ككل المؤسسات تولد وتشيخ وقد تتعرض للزوال إذا لم تخضع كل فترة لإعادة نظر في طريقة عملها. نحن في الهيئات الاقتصادية نرى أن إعادة الهيكلة عمل عادي من شأنه إعادة الحيوية إلى المؤسسات لتمكينها من مجاراة مقتضيات العصر. نتطلع إلى أن يكون للرابطة شفافية مالية وإدارية وميزانية سنوية خاضعة لتدقيق مفوض مراقبة نظامي. ذلك أن مثل هذه المؤسسة تعيش على الاشتراكات والتبرعات التي تأتي من أعضائها ومن محيطها، ومن شأن الشفافية أن تشجع على تقديم المساهمات الضرورية لتمويل عمل أجهزة الرابطة وسائر الأدوات التي تمكنها من أداء دورها في شكل فعال وعصري لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة والمستقبل على المستويات كلهاـــ الثاني هو الاضطلاع بالشأن الوطني الذي يعدّ الموارنة من عناصر نجاحه أو فشله. لذا المطلوب من الرابطة برأينا أن تعمل على أن يبقى لبنان موئلاً لحوار الحضارات وتلاقي الثقافات والأديان وتعزيز الانتماء المشرقي للموارنة وتفاعلهم مع محيطهم العربي. وكي يتمكنوا من أداء هذا الدور، عليها أن تعمل على جمع كلمتهم في الشؤون المصيرية وتعميق ثقافة المحبة والحوار وحق الاختلاف على هدى ثوابت الكنيسة المارونية والمجمع البطريركي والإرشاد الرسولي.
وعن سبب عدم إقدام معظم أعضاء اللائحة على خوض انتخابات الرابطة سابقاً والاضطلاع مباشرة في شؤونها، يقول طربيه : «إن الإقدام في هذا الظرف أتى نتيجة مبادرة من مجموعة من الزملاء المنتسبين الذين سبقوني إلى التباحث في تكوين فريق متجانس ومتكامل عازم على إحداث نقلة نوعية في الرابطة وعلى وضع تجربة ناجحة في الحياة العامة والنشاط الخاص في خدمتها. وقد أتينا بعد تعديل النظام الذي قاده مشكوراً الوزير ميشال إده الذي له أياد بيضاء على الرابطة. ولولا توافر هذا الفريق لما كنت من جهتي أقدمت على خطوة الترشح إلى الانتخابات».
وعما إذا كان أعضاء الفريق المعروفون بانهماكاتهم قادرين على إعطاء الوقت اللازم للنهوض بالرابطة؟ يجيب طربيه: «إن جزءاً كبيراً من هذا الفريق له انهماكاته لكنهم في المطلق أرباب عمل، ويستطيعون بالتالي تكييف أوقاتهم بحريّة وتخصيص الوقت الكافي لكل مهمة. وهم رجال استراتيجية وقرارات وليس مطلوباً منهم الدخول في كل التفاصيل. إن قيادة الرابطة مثل قيادة معظم الهيئات العامة والخاصة، ليست مهنة بل ممارسة للإدارة والتخطيط يدعمها جهاز كفؤ للتنفيذ والمتابعة. وأستطيع التأكيد أنه لم يخطر ببال أي منا أن يتطوع لعمل لا يستطيع تأديته على أفضل وجه. وما ينطبق على زملائي ينطبق عليّ، فأنا أوزع الوقت على المؤسسات التي أرأس وفقاً لحاجة كل منها، وإذا أولاني الناخبون ثقتهم فستكون الرابطة موضع اهتمامي الأساسي. زملائي وأنا نضع أمام أعضاء الرابطة خياراً جديداً ويعود لهم تشجيعه أو رفضه».
في المقابل، يقول الرئيس السابق للرابطة المارونية حارس شهاب، إنه يخوض الانتخابات تحت عنوان التجدد «من خلال لائحة منسجمة يكمل أعضاؤها بعضهم بعضاً، مارسوا عملاً مشتركاً في الماضي وهم يتطلعون إلى توسيع إطار هذا العمل. نصف أعضاء اللائحة سبق لهم أن مارسوا المسؤولية في الرابطة وتابعوا ملفاتها وناضلوا في صفوفها، وهم يشعرون بأن في إمكانهم تقديم المزيد خصوصاً أن بعض هذه الملفات يستوجب المتابعة مثل القضايا السيادية والوطنية، ومنها مواضيع الوفاق الوطني والتوازنات وتهميش الموارنة وسن قانون جديد للانتخابات يحفظ صحة التمثيل بحيث يطمئن الموارنة إلى مستقبلهم ويصبحون أمام خيار غير خياري الهجرة أو التبعية في وطن هم في أساس بنيانه»ورداً على سؤال عن كيفية تحقيق التجدد عبر لائحة نصفها من التركيبة القديمة، يجيب شهاب بأن التجدد يتم من خلال العمل على الذات، وإن «الظروف تغيرت وما لم يتحقق في الماضي نرى أنه أصبح ممكن التحقيق اليوم. لقد ناضلنا وثابرنا في الدفاع عن قضايا الموارنة الأساسية، وفي طليعتها الحريات وتحقيق التوازن بالاستناد إلى أرقام ودراسات، لكن الحكومة آنذاك لم تتجاوب معنا. ومما يساهم في عملية التجدد انضمام وجوه جديدة ناجحة في عملها ومستعدة لتكريس الجهد والوقت من أجل أن تنجح الرابطة في رسالتها. نلتقي تحت سقف الثوابت المارونية التي يعبّر عنها بثبات صاحب الغبطة البطريرك صفير. ونتطلع إلى إطلاق ديناميكية في اتجاه يعيد للموارنة دورهم المنفتح في محيطهم فيكونون عن حق ملح هذه الأرض».
وعما إذا كانت الطاقات التي تضمها لائحته قادرة على تحقيق المشروع الذي تحمله، يرى شهاب أن «على المرء أن يسعى، الإيمان موجود وكذلك المحبة، والطاقات موجودة وهي تمثل مروحة واسعة من الاختصاصات المهنية والعلمية، مع الإشارة إلى أن العمل لا يقتصر على مجلسها التنفيذي بل هناك أطر متنوعة لإشراك طاقات من خارج المجلس التنفيذي في تحمل المسؤولية التي نتطوع لها، من هذه الإطر ما هو قائم من لجان ومنها ما يمكن استحداثه تبعاً للحاجة المستجدة. مؤسسو الرابطة أرادوا لها أن تكون نخبوية ولهذا هي تنضح اليوم بالطاقات والشخصيات المستعدة لبذل ما يلزم من أجل بلورة رؤية مستقبلية تعيد الثقة إلى الموارنة. وقد سبق لنا أن أعددنا الكثير من الدراسات والإحصاءات والأرقام التي تؤلف قاعدة انطلاق لتحقيق هذا المشروع. ونعتقد أننا قادرون في ظل المعطيات الحالية على وضعه موضع التنفيذ بعدما حالت الأوضاع السابقة دون تمكننا من ذلك، هذا طبعاً إذا منحتنا الهيئة الناخبة في الرابطة المارونية ثقتها مرة جديدة».