عبدو سعد *
جرت أول انتخابات نيابية بعد الحرب اللبنانية عام 1992 في ظل قانون انتخابي يرعى تقسيمات جديدة للدوائر الانتخابية مختلفة عما كان سائداً منذ الاستقلال، ويعتمد المحافظات دوائر في الشمال والجنوب وبيروت، والأقضية في محافظتي الجبل والبقاع في ظل مقاطعة مسيحية ساحقة وشبه مطلقة في مناطق عدة (في أقضية جبل لبنان تراوحت نسبة المقترعين المسيحيين بين أقل من واحد في المئة في جبيل و18 في المئة في كسروان).
وأدت هذه التقسيمات، إلى جانب المقاطعة المسيحية، إلى الإتيان بالأكثرية الساحقة من النواب المسيحيين بأصوات المسلمين الذين انتخبوا خمسة نواب مسيحيين في الجنوب، و15 في الشمال، وعشرة في محافظة بيروت، وأربعة في محافظة البقاع، وحتى في جبل لبنان فاز 12 نائباً مسيحياً بأصوات المسلمين، ما يعني أن النواب المسيحيين الذين أتوا بأصوات مسيحيين لم يتجاوز عددهم 18 نائباً.
عام 1996 أُُدخل تعديل في بعض الدوائر الانتخابية، فقُسّم الشمال دائرتين انتخابيتين، وأُبقي على كل من البقاع والجنوب وبيروت دائرة واحدة، وتمت المحافظة على تقسيم جبل لبنان ستة أقضية (جبيل، كسروان، المتن، بعبدا، عاليه، الشوف). ولم تختلف النتائج عما كانت عليه في الدورة السابقة إذ لم تستطع الأصوات المسيحية أن تأتي بأكثر من 18 نائباً مسيحياً.
وفي الدورة الثالثة بعد الحرب اعتُمد ما عرف بقانون غازي كنعان الذي تضمّن إعادة تقسيم معظم الدوائر. ففي الشمال اعتُمدت دائرتان: ضمّت الأولى أقضية عكار وبشري والضنية، والثانية المنية وطرابلس وزغرتا والبترون والكورة. وبقيت الصورة على حالها لجهة غلبة الأصوات المسلمة، ففاز 15 نائباً مسيحياً من أصل 15 بأصوات المسلمين.
وقُسّمت محافظة بيروت الى ثلاث دوائر لم تحدّ من غلبة الأصوات المسلمة في كل منها، وبالنتيجة فاز أيضاً كل النواب المسيحيين بأصوات المسلمين.
وقُسّم البقاع إلى ثلاثة أقضية كما في 1992 ما أفسح في المجال لانتخاب خمسة نواب مسيحيين بتأثير أصوات مسيحية في قضاء زحلة.
ولم يحصل أي تغيير في محافظة الجنوب حيث أُبقي على محافظتي الجنوب دائرة واحدة، وبالتالي كانت الغلبة الساحقة لأصوات المسلمين، ما لم يسمح للمسيحيين باختيار أي من نوابهم في هذه المنطقة.
وأُدخلت تعديلات على التقسيمات في الجبل، فأُبقي على قضاءيْ المتن والشوف منفصلين، وضُمّّ قضاءا كسروان وجبيل ليصبحا دائرة انتخابية واحدة، وكذلك الأمر بالنسبة الى قضاءيْ بعبدا عاليه. إلا ان هذه التقسيمات في الجبل زادت الأمر سوءاً بالنسبة إلى المسيحيين، فقد منعتهم من التأثير عبر أصواتهم في النتائج في قضاءيْ بعبدا ــ عاليه، وبالتالي لم يستطع المسيحيون اختيار نوابهم.
واعتُمد القانون نفسه في انتخابات 2005، ولم تتغير، بالتالي، النتائج بالنسبة إلى النواب المسيحيين المنتخبين بأكثرية ناخبين مسلمين.
الجدير ذكره انه في كل الدورات الانتخابية التي جرت بعد الحرب كانت أغلبية الأصوات المسيحية تذهب للمرشحين الخاسرين من المعارضة المسيحية.

* مدير مركز بيروت للأبحاث والمعلومات