طارق ترشيشي
استغربت قوى 14 آذار وصف رئيس مجلس النواب نبيه بري الحكومة في مؤتمره الصحافي الأخير بأنها غير ميثاقية وغير دستورية وبتراء، واستذكرت وصفه، في مهرجان ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في 31 آب الماضي في صور، الحكومة بـ«حكومة المقاومة السياسية»، ورأت أنه تراجع عن أقواله نتيجة لـ«الضغوط السورية والإيرانية»، كما تراجع عن «دستورية» الحكومة عند وصوله الى طهران خلال زيارته الأخيرة لها.
أوساط الرئيس بري تؤكد أن ما قاله في 31 آب الماضي كان صحيحاً لأن الحكومة كانت تضم في صفوفها ثلاث جهات تمثل المقاومة هي رئيس الجمهورية وحركة «أمل» و«حزب الله»، واستطاعت أن تعدل القرارات الحكومية وتمنع بعض القرارات الأخرى، فمارست بذلك مقاومة سياسية الى جانب المقاومة العسكرية في الجنوب. لكن بعد خروج الأطراف المقاومة من الحكومة سقطت عنها صفة المقاومة لأنها باتت تمثل الاطراف السياسية التي تدعو الى نزع سلاح المقاومة وتسليط السيف عبر «المحكمة الدولية السياسية» على النظام السياسي اللبناني الراهن والمستقبلي، وبالتالي فإنه لا تناقض بين القولين لتغير الوقائع التمثيلية في مجلس الوزراء.
لكن الصدمة التي تعرضت لها قوى 14 آذار وفوجئت بها كانت الموقف السعودي الذي صادق على أقوال الرئيس بري وحاول ان يحمّل الموالاة المسؤولية عن إحباط الحوار والمبادرة السعودية ــــ الإيرانية. مع العلم أن القيادة السعودية استدركت هذا الموقف من دون أن تتراجع عنه، من خلال إعطاء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ومن ورائه قوى 14 آذار «جائزة ترضية» عبر زيارة السفير السعودي الدكتور عبد العزيز خوجة للسرايا الحكومية وإعلانه أن بلاده تتعاطى مع السنيورة على أساس أنه رئيس وزراء لبنان، ومن ثم فُتح الطريق أمامه مباشرة أو مداورة لحضور القمة العربية العادية الأسبوع المقبل في الرياض.
ولعل ما يثير الدهشة لدى أوساط المعارضة عدم مبادرة الجانب السعودي بعد الى ترشيد موقف رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري للمضي قدماً في الحوار مع الرئيس بري، الى جانب الدهشة من موقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي طالب اثناء استقباله رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي كان مسجوناً في جريمة اغتيال الرئيس رشيد كرامي قبل ان يُعفى عنه صيف عام 2005، بإنشاء المحكمة الدولية لكشف قتلة الرئيس رفيق الحريري مما يؤكد ــــ في رأي أوساط المعارضة ــــ أن المطلوب محكمة سياسية دولية لا محكمة جنائية دولية.
وتخرج أوساط المعارضة بمحصّلة أوّلية لما جرى يوم الثلاثاء الماضي في مجلس النواب وخارجه، فترى أن الموالاة نجحت للمرة الرابعة في إجهاض المبادرات السعودية والإيرانية الى جانب مبادرات بري الحوارية والتشاورية، ليبقى الوضع اللبناني أبتر وأعرج كما هي حال الحكومة حتى يتبين مستقبل الجيش الأميركي في العراق وإمكان استعمال لبنان وقوداً لحماية هذا الجيش أو انتقاماً من سوريا وايران بسبب الضربات التي تسددها المقاومة العراقية إليه.
وفي هذه الأثناء عادت البطريركية المارونية إلى الدخول على خط الحوار المستقبلي بعدما حجزت مقعداً لها في ثلاثية المحاور الحوارية وهي الحكومة والمحكمة وقانون الانتخاب.
لذا فإن ما تسعى السعودية الى تحقيقه الآن هو استمرار الهدوء السياسي اللبناني لإمرار القمة العربية بعيداً عن أي مشاكل أو إزعاج لبناني، على ان يبدأ حوار طويل بعد القمة سيدخل اليه حتماً موضوع التوافق على رئيس الجمهورية الذي سيتقدم النقاش فيه على موضوع حكومة الوحدة الوطنية، إذ ينتظر أن تبدل الحكومة خياراتها بحيث يكون انتخاب رئيس الجمهورية هو الرديف للمحكمة الدولية بعدما تراجع مطلب المشاركة بالثلث الضامن في الحكومة، التي ترفضها الموالاة، الى المرتبة الثانية لأنه لم يبق من عمر الحكومة سوى بضعة أشهر، بينما الامساك أو المشاركة في انتخاب رئيس جمهورية جديد من شأنه أن يعطي المعارضة شراكة حقيقة في القرار في انتظار إجراء انتخابات النيابية مبكرة أو في موعدها الدستوري. لذا فإن محاور الحوار بعد القمة العربية ستكون غير محاور ما قبلها.