بسام القنطار
في إحدى قاعات فندق فينيسيا في بيروت كان وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط يجري مقابلات صحافية سريعة. يوم الوزير «المرهق» يشير إلى «طحشة» بريطانية مستجدة في الملف اللبناني

لم تكن زيارة وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط كيم هاولز، التي استمرت يومين، الأولى إلى لبنان، إذ سبقتها زيارات عدة آخرها في 22 تموز 2006. يومها كان لوقع القنابل والصواريخ الإسرائيلية المتساقطة على رؤوس المدنيين اللبنانيين الأثر الذي دفع بهاولز إلى إطلاق «تصريح حاد اللهجة ضد إسرائيل» بحسب توصيف وسائل الإعلام البريطانية، التي صنفت تصريحه كمن يغرد خارج سرب طوني بلير الذي تميزت تصريحاته إبان الحرب بوتيرة أقل من عادية.
حينها خاطب هاولز، الذي شغل منصب الرئيس السابق لـ«رابطة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال»، الإسرائيليين قائلاً: «إذا كنتم تطاردون حزب الله، إذاً صوبوا باتجاه حزب الله، لكن لا تصوبوا تجاه الدولة اللبنانية بأكملها».
لا يحبذ هاولز ــــــ الشيوعي السابق والنائب العمالي الحالي منذ عام 1989ــــــ الذي وصفته الـ «بي بي سي» بأنه «إحدى حواشي كوادر حزب العمال الجدد» الآراء الأيديولوجية الجاهزة على غرار كثر مما يوصفون بـ«اليساريين الجدد».
وهو يوافق على الوصف الذي يقول إن «الأزمة السياسية الحالية أفقدت لبنان توازنه، وإن الوضع فيه خطر وعلى وشك الانهيار». لكن، بحسب اعتقاده، «ليس هناك شعب على وجه الكرة الأرضية لديه القدرة والكفاءة على التكيف مع الأزمات بقدر الشعب اللبناني». ويرى «أن الموقع الجغرافي للبنان قد جعله يجاور دولاً صعبة المراس. وهو عانى كثيراً عواقب استعمال عدد من الدول لأراضيه للقيام بحروب بالواسطة. هذا ما فعلته إيران وسوريا وإسرائيل».
بحسب هاولز «العالم أجمع عبر الأمم المتحدة يطالب بسوق المجرمين الذين اقترفوا جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى العدالة، وهذا الأمر بالطبع أقلق بعض الأشخاص». ويضيف: «لقد التقيت بالشيخ سعد الحريري وهو مصمم على معرفة المذنبين».
لكن ماذا عن هواجس الفريق المعارض المتعلقة بنزاهة المحكمة الدولية وعدم تسييسها؟ وما رأي هاولز بفكرة إطلاق حلقة نقاش من خلال لجنة تشمل أعضاء من الموالاة والمعارضة لدراسة تفاصيل مشروع نظام المحكمة الدولية والاستماع إلى ملاحظات مختلف الأفرقاء عليه، ولا سيما أن العديد من المسؤولين في المعارضة اللبنانية أبدوا اعتراضهم تحديداً على المادة 3,2 من مشروع نظام المحكمة الدولية التي تنص على أنه «في ما يتصل بالرئيس والمرؤوس، يتحمل الرئيس المسؤولية الجنائية عن أي من الجرائم المنصوص عليها في المادة 2 من هذا النظام الأساسي، التي يرتكبها مرؤوسون يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين، نتيجة عدم سيطرته سيطرة سليمة على هؤلاء المرؤوسين»، الأمر الذي يخلق العديد من المخاوف من إمكان مقاضاة رؤساء ليسوا على علاقة مباشرة مع القتلة.
يرفض هاولز «الخوض في هذا التفصيل». لكنه يؤكد «أن الحل يجب أن ينبع من إرادة الشعب اللبناني». لكن ماذا لو تألفت هذه اللجنة وعُدِّلَت المادة 3.2 أو غيرها من مواد مشروع قانون المحكمة، هل ستوافق بريطانيا على مثل هذا التعديل في مجلس الأمن؟
يجيب: «أعتقد أن بريطانيا وجميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن يجب أن تشعر بأن الشعب اللبناني هو من اتخذ القرار بالموافقة على مشروع المحكمة وعلى آلية عملها وآلية سير التحقيق». ويضيف: «أعتقد أن المجتمع الدولي ليس على استعداد بأن يجيز أي تعديل قائم على المقايضة السياسية، أو أن يمر وقت طويل من دون أن يُساق المجرمون إلى العدالة. إن اغتيال الرئيس الحريري اعتُبر من المجتمع الدولي تحدياً كبيراً، والحكومة المنتخبة يجب أن تبسط سيطرتها على كامل البلاد، ويجب أن يكون لديها القدرة على التحقيق والاعتقال ومعاقبة الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم».
وفي ما يتعلق باستقالة الوزراء الستة، يبدي هاولز استغرابه «لهذا الأسلوب في العمل السياسي. في بريطانيا لدينا نموذج آخر للديموقراطية، وجميع المسائل تناقش داخل البرلمان بشكل شفاف ومفتوح. لذلك فإن استقالة الوزراء وتجميد عمل الحكومة إلى حين أن تأتي بمسودة جديدة لقانون المحكمة الدولية أمر غريب جداً بالنسبة إلينا». الديموقراطية تعني النقاش المفتوح والعلني.
بحسب هاولز، فإن حزب الله هو بدون شك الجهة التي قال عنها بعد زيارة الرئيس نبيه بري بأنها «تقيم دول داخل الدولة في لبنان وتستعمل من الخارج». لكنه يستدرك: «يمكن أن تكون هناك ميليشيات أخرى غير حزب الله (...) لا يجب أن يكون هناك سلطتان أو مجموعة لديها سلاح وتقوم بتصرفات فردية وتسبب حروباً». لكن ماذا عن نتائج حرب تموز ولجان التحقيق وتصدع قوة الردع في إسرائيل؟ كل ذلك لا يقنع هاولز، وبحسب رأيه، فإن قضية مزارع شبعا «يجب أن تحل بالطرق الدبلوماسية بمساعدة الأمم المتحدة». ويضيف: «يجب أن لا تتحول شبعا إلى قضية تجعل من لبنان ساحة نزاع مسلح، فقط من أجل قطعة صغيرة من الأرض!».
وعن زيارته إلى الجنوب، يشير الوزير البريطاني إلى أنه عاد بانطباع «متفائل جداً (...) لقد قيل لي إن الناس ينزحون باتجاه الجنوب اللبناني وليس العكس، وأعتقد أن الأمن والسلام الذي شعروا به، وخصوصاً مع وجود الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل هو سبب رئيسي في هذه العودة إلى الجنوب، كما أنهم وجدوا فرص عمل في إعادة البناء».
وعن المخاطر التي تواجه قوات اليونيفيل؟ يقول هاولز الذي زار قوات الطوارئ الدولية في الناقورة والتقى قائدها الجنرال غراتسيانو: «لقد تسنى لي الاطلاع على العمل الممتاز الذي تقوم به اليونيفيل في جنوب لبنان. إن العمل المشترك الذي يقومون به مع الجيش اللبناني له الدور الحيوي والمهم لمستقبل لبنان. لقد أخبرني غراتسيانو أنهم اتخذوا احتياطات أمنية مشددة وأنهم يقومون بأقصى درجات الحماية تحسباً لأي هجوم محتمل من مجموعات إرهابية ضدهم أو ضد السكان المدنيين الذين يقطنون ضمن منطقة جنوب الليطاني».
لماذا لم يلتق هاولز أي ممثل عن حزب الله؟ يجيب: «ليس مدرجاً على جدول أعمالي، أنا عادة أزور الأشخاص المقترحين من الحكومة. في السابق التقيت بمسؤول مقرب من حزب الله». يستدرك مساعده للتصحيح: لقد التقى وزير الخارجية الأسبق محمود حمود. يكمل هاولز: «لقد قيل لي في حينها إنه مقرب من حزب الله».
لكن ماذا عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لقد قيل إنه طلب موعداً رسمياً للقاء ممثل عن الحزب؟ يضحك هاولز قبل أن يقف معلناً نهاية المقابلة، «حسناً هذا أمر جيد لبان كي مون، أتمنى له التوفيق في مهمته». وعن تعليقه على الصدمة التي تلقاها بان كي مون أثناء زيارته لبغداد، يسهو هاولز ولا يجيب. ربما عادت به الذاكرة إلى 22 تشرين الثاني 2006 يوم أعلن أنه أثناء زيارة هاولز للعراق تعرضت الطوافة العسكرية للإصابة بصاروخ أدى إلى تعطلها أثناء إقلاعها من البصرة. لا مجال للمقارنة فصدمة بان كي مون في بغداد لا تقاس بصاروخ البصرة الذي كاد يودي بحياة هاولز على غرار 134 من جنود بلاده الذين سقطوا منذ احتلال العراق.