بيسان طي
في العيد الخمسين للاتحاد الأوروبي كانت أمس طاولة نقاش طُرح خلالها السؤال عن كيفية استفادة لبنان من التجربة الأوروبية بعد حروب بين بلدانها؟ وشارك في الأجابة عنه رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان باتريك لوران والمكلفة بالأعمال في السفارة الألمانية إيرين بلانك ورئيسة معهد العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية فاديا كيوان والمدير في المركز اللبناني للدراسات السياسية كرم كرم، وأدارها الصحافي ماك غريونغ.
ارتكز النقاش، والاختلاف في وجهات النظر بين المشاركين فيه، على مدى صواب اتباع التجربة الأوروبية أي الانطلاق من المصالحة الاقتصادية للتوصل إلى المصالحة السياسية.
إنها المصالحة التي بدأت “بالفحم والفولاذ”، السفير لوران ذكّر بتاريخ انشاء الاتحاد الأوروبي، وركّز على البدايات “الاقتصادية” حتى التوصل إلى سوق مشتركة ـــ وأكثر ـــ وعلى رغبة رجالات أوروبيين في عدم العودة إلى حالة الحرب ورغبات دول في عدم العودة إلى تلك الحالة، بعدما عاشت القارة ثلاثة حروب. وتحدث عن المؤسسات التي ساهمت في ترسيخ وتطوير أطر هذا الاتحاد والتي أدّت دوراً قانونياً مهماً في التعاطي مع الإدارات الوطنية، وذكّر بأن السوق صالحت بين مصالح كل دولة في الاتحاد والرؤية الشاملة له. واستطرد في الحديث عن كيفية تطور هذا الاتحاد وتوسعه. ورأى أن المهم على “المستوى اللبناني إيجاد تضامن اقتصادي واجتماعي” منتقداً الأولوية التي تُعطى في الشرق الأوسط للمستوى السياسي.
كيوان كان لها نظرة أخرى، لم تستبعد السياسي في عملية المصالحة أو بناء الدولة. ركزت على نقاط “عدم التشابه” بين أوروبا ولبنان، فالأخير بالنسبة إليها يعيش في “محيط معاد له”، وهذا ما لم تعشه الدول الأوروبية بعد الحرب التي ساعدها مشروع مارشال في عملية إعادة الإعمار بعدها. وقالت إن اللبنانيين أرادوا بعد الحرب الأهلية أن ينتهجوا طريق الاصلاحات والعيش المشترك، لكنهم بدأوا التفكير في القضايا التي يختلفون حولها فيما ثمة مواضيع تجمعهم ومنها الأزمة الاقتصادية والهجرة وسوء الادارة في البلاد، ولم يحاولوا أن ينتهجوا طريق الإصلاحات من خلال سياسة خطوة خطوة. وشددت على الحاجة إلى إصلاحات سياسية ملاحظةً الفرق في النمو في لبنان بين المركز ـــ أو المراكز ـــ والضواحي أو المناطق، فرق يطال أساليب الحياة في كل مكان. ورأت أن لبنان لا يمكن أن يكون حيادياً تجاه قضايا المنطقة لكنه لا ينبغي أن يخوض الحروب عنها.
كرم تحدث عن ثنائية المصالحة وإعادة الإعمار في التجربتين الأوروبية واللبنانية، وقال انه في الحالة اللبنانية تمّت هذه الثنائية بطريقة أدت إلى نتائج معاكسة لما حصل في أوروبا، مذكراً بأن النخب التي حكمت في لبنان بعد الحرب لم تتفق على مشروع سياسي واحد، وتم تطبيق بنود اتفاقية الطائف بطريقة عشوائية، وجرى تناسي دور المجتمع في عملية اعادة الإعمار بل تحييده. وأضاف أن الوسط التجاري في بيروت كان مرتبطاً مباشرة بسلطة الحكم فيما مناطق لبنانية أخرى مرتبطة بسلطات مجموعات أخرى، وتحدث عن فرق بين “الوطن القانوني” و“الوطن الحقيقي”، لكنه ذكّر في المقابل بأدوار أدتها مجموعات أو أفراد من المجتمع المدني حول مجموعة من العناوين المهمة مثل الانتخابات البلدية وغيرها.
وكانت كلمة مختصرة لبلانك لفتت إلى أن ألمانيا كانت مدمرة معمارياً ونفسياً بعد الحرب العالمية الثانية، ووجدت نفسها بعد خمسين سنة شريكة في مجموعة دولية تحظى باحترام شديد.
بدا واضحاً أن “الغلبة” كانت للمتحدثين بضرورة الاصلاح السياسي في لبنان، لكن النقاش الذي جرى في أجواء رومانسية في مقهى “تايم أوت” في الأشرفية لم يتسع لأسئلة جوهرية ـــ وربما مؤلمة ـــ عن الوضع اللبناني في إطار السياسة العالمية. ولم يجر التعليق على ملاحظة أوردها طالب في العلوم السياسية حين قال “نحن أداة في الأجندة العالمية”، مرت هذه الجملة مرور الكرام تحت الضوء الخافت والرومانسي والأجواء الودية التي طغت في المكان، رومانسية قد لا تسمح بأسئلة حقيقية تُطرح على الأوروبيين والمجتمع الدولي عموماً عن المكانة الحقيقية للبنان في أجندة سياستهم تجاه المنطقة. وهل لهذه الأجندة دور مساعد أو معرقل في اعادة الاعمار السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية في لبنان وفي تحديد “محيطه المعادي”.