طارق ترشيشي
يرى مرجع سياسي أن على فريق السلطة أن لا يتفاءل كثيراً بمواقف الدعم الأميركي له وأن لا يبني عليها ليتصلب ويرفض مشروع الحل الذي أنتجه الحوار الأخير بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، وتعثر عند موضوع حكومة الـ«19 +11». ويقول إن هذا التصلب والرفض هما محاولة للهروب من «استحقاق يجب أن يحصل أو بات في الإمكان توقّع حصوله في أي وقت» في ضوء المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وكل من سوريا وإيران، التي يمكن تسميتها «الاسم الحركي» لالتزام إدارة الرئيس جورج بوش غير المعلن لتوصيات لجنة بايكر ـــ هاملتون لتأمين «الخروج اللائق» من المأزق العراقي.
كذلك، لا ينبغي على فريق السلطة أن يراهن على ضربة عسكرية أميركية لإيران يعتقد أن من شأنها أن تنعكس سلباً على حليفتها سوريا ومن ثم على المعارضة اللبنانية ورأس حربتها حزب الله، ما يسهّل له القبض على كل مفاصل السلطة. وإذا كان هذا الفريق يعتقد بأن قرار فرض العقوبات على إيران الذي أصدره مجلس الأمن أول من أمس مقدمة لقرارات لاحقة قريبة تمهّد لهجوم عسكري على إيران، فإنه سيكتشف لاحقاً أن هذا القرار الدولي هو البديل عن الضربة العسكرية لإيران لأن الموافقة الروسية والصينية على هذا القرار هي شبيهة بالموافقة على قرارات سابقة وتندرج في إطار سياسة كسب الوقت.
ويعتقد سياسيون أن القمة العربية ستوضح آفاق المرحلة المقبلة من دون إغفال أن المملكة العربية السعودية تشعر بغصَّة لأنها كانت تريد أن ترأس القمة، وقد حققت إنجازين كبيرين: أحدهما في فلسطين وقد تحقق بـ«اتفاق مكة» الفلسطيني ـــ الفلسطيني، وآخر في لبنان يتمثل باتفاق بين الأكثرية والمعارضة ما زال متعثراً، ما جعلها تدخل الى القمة بإنجاز واحد. لكن هؤلاء السياسيين يعتقدون أن القيادة السعودية ليس سهلاً عليها أن تنام على ضيم، وخصوصاً أنه يأتيها هذه المرة ممن لها «أفضال» كثيرة عليهم. ولهذا يمكن توقّع أن توجّه الرياض في اللحظة الأخيرة دعوات لأقطاب مؤتمر الحوار الوطني الأربعة عشر إلى حضور القمة العربية كضيوف، على أن يلي ذلك رعايتها مصالحات في ما بينهم ومن ثم توقيع اتفاق موجود، وهو ذلك الذي كان بري والحريري قد توصّلا إليه ليعود الجميع لاحقاً الى بيروت ويبدأون بتطبيقه.
لكن أوساط المعارضة تستبعد هذا الاحتمال، خصوصاً بعد الدخول الأميركي على خط الأزمة عبر السفير جيفري فيلتمان، ثم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ما عطل الاتفاق اللبناني ـــ اللبناني، وصار الاهتمام الأميركي منصبّاً على تعديل المبادرة العربية لجهة إسقاط بند حق العودة للشعب الفلسطيني، ليكون ذلك «جائزة ترضية» لإسرائيل التي سيعلن تقرير لجنة فينوغراد تفليستها السياسية والعسكرية بعد الهزيمة التي منيت بها على يد المقاومة في عدوان تموز الماضي على لبنان.
وتقول هذه الأوساط إن الولايات المتحدة لا تريد حصول أي حل للأزمة اللبنانية قبل ضمان صدور تقرير فينوغراد في ظروف تصرف الأنظار عن الواقع الإسرائيلي الذي سيتعرض لزلزال كبير بنتيجته. ولذا، فإنها أوعزت إلى قوى 14 آذار لإحداث «بلبلة سياسية» في لبنان، وفي الوقت نفسه كلفت بعض الأطراف الفلسطينية إحداث اهتزازات أمنية في غزة بما يشاغب على حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تألفت أخيراً. وفي موازاة ذلك ستعمل واشنطن على ممارسة ضغوط على القمة لكي تشطب حق العودة للفلسطينيين من المبادرة العربية لتعطي إسرائيل من خلال ذلك «نصراً» بديلاً عن هزيمتها أمام حزب الله في تموز الماضي يمكنها من استيعاب تداعيات تقرير فينوغراد.
لكن تبين من خلال الاجتماعات التحضيرية للقمة أن الجانب السوري أجهض المحاولة الأميركية لإسقاط حق العودة حيث كان هناك اقتراح للأمانة العامة لجامعة الدول العربية بإدراج المبادرة العربية للسلام كبند مستقل في جدول أعمال القمة، فرفض السوريون هذا الأمر وأصرّوا على إدراجه في إطار بند القضية الفلسطينية التقليدي في جداول أعمال كل القمم العربية التي انعقدت منذ قمة إنشاص الأولى في مصر وحتى الآن، لأنهم اعتبروا أن إدراج المبادرة كبند مستقل يعني أن حق العودة هو قرار عربي ودولي، في حين أن إدراجها في بند القضية الفلسطينية يعني أن هذا الحق هو قرار فلسطيني.
وفي ضوء ما تقدم، ترى الأوساط نفسها أنه ليس هناك حل قريب للأزمة في لبنان، وخصوصاً أن معلومات وردت إلى بعض المراجع اللبنانية تؤكد أن الأزمة ليست مدرجة على جدول أعمال القمة كبند رئيسي، وإنما سيتم البحث فيها في الكواليس والاجتماعات الجانبية.