عرفات حجازي
حرص السفير السعودي عبد العزيز خوجة قبل مغادرته إلى الرياض على إجراء مشاورات مع قطبي الحوار، نبيه بري وسعد الحريري، ليؤكد مجدداً على رغبة الطرفين في معاودة اللقاءات بينهما. لكن مسارعة الأكثرية إلى إصدار بيان بحضور كل أقطابها، أنهى اللعبة، لرفضها القاطع صيغة الثلث الضامن وإدخال تعديلات جوهرية على نظام المحكمة والتهويل باللجوء إلى مجلس النواب لحسم الخيارات بعد تأكيد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أنه بات في حل من وعده لعمرو موسى بتأجيل إحالة مشروع المحكمة إلى المجلس النيابي.
وإذا كان بيان قوى 14آذار حدد سقف الحوار الثنائي وأعاد التماسك إلى أعضائه من دون أن يقدم صيغاً جديدة للحل، عدا إبداء استعداده للمضي في لعبة الحوار الظاهري من دون نتائج، فإن المعارضة قرأت في البيان التصعيدي انتصاراً لنهج التصعيد الذي يقوده وليد جنبلاط وسمير جعجع على نهج المرونة والاعتدال الذي يقوده رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري والذي يغلّب سياسة التفاهم والمصالحة الداخلية. هذا الانقلاب الأبيض الذي قاده صقور 14 آذار رأته الأوساط الدبلوماسية العربية بمثابة طعنة سددت للمملكة العربية السعودية وجهود سفيرها الذي كان يتابع عن كثب كل التفاصيل المتعلقة بحوارات عين التينة، ويعرف المرونة التي أبداها بري باسم المعارضة سواء في موضوع المحكمة أو في موضوع الحكومة والضمانات التي أدّى استعداده لتوفيرها تسهيلات لإنجاح الحوار برعاية المملكة، وهو ما حمله على الإشادة بمضمون المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس بري وما تضمنه من دقة في سرد الحقائق والوقائع، غامزاً من قناة الذين يريدون القنص على الحوار وتعطيل المساعي للوصول إلى حل.
وإذا كانت المملكة التي تلعب دور الوسيط المقبول من الجميع حاذرت أن تذهب في مواقفها أكثر مما ذهب سفيرها، إلا أنها أعطت الانطباع بعدم ارتياحها إلى انتكاس مساعيها نتيجة تجاهل نصائحها بصياغة حل متوازن بدا أنه دون الوصول إليه عقبات وحسابات خاصة لدى بعض المتطرفين والمتضررين من قيام أي تسوية تعيدهم إلى أحجامهم الحقيقية.
وتعرب أوساط دبلوماسية عربية عن خشيتها من دخول لبنان في جولة جديدة من المواجهات والتحديات، وخصوصاً بعد تأكيد الرئيس السنيورة أنه سيحيل ملف نظام المحكمة على المجلس النيابي بعد القمة، مترافقاً مع تأكيد فريق الأكثرية على تكرار حركتها الاستعراضية للنواب في ساحة النجمة وإعلانها أن المجلس هو المكان الطبيعي لحسم الخيارات، الأمر الذي قد يدفع بهم إلى المغامرة والسقوط في محظور تمرير الاستحقاقات المقبلة من دون احترام للدستور وتحقيق هدفهم الذي يعملون عليه منذ الرسائل التي بعث بها الرئيس السنيورة إلى الأمين العام للأمم المتحدة وادعى فيها أن الرئيس بري يقفل أبواب المجلس أمام إقرار نظام المحكمة الذي اعترف هو بالأمس بأنه سيحيله بعد القمة إلى المجلس، مطالباً مجلس الأمن بإقراره من دون مروره بالمجلس النيابي مع كل ما يترتب على هذه الخطوة من تداعيات خطيرة ترمي بمستقبل البلد في المجهول. ومما فاقم من تعقيدات الأزمة إعادة الفريق الأكثري ملف الرئاسة الأولى إلى الواجهة وإدخاله بنداً أساسياً في بنود التفاوض مع المعارضة تحت طائلة التهديد بالذهاب إلى انتخابات غير دستورية، أي بدون نصاب الثلثين بدل الوصول إلى الفراغ على حد تعبير رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي أبدى رفضه القاطع لتحويل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء.
وإذا كان من الصعب رسم صورة دقيقة لما سيكون عليه المشهد السياسي في المقبل من الأيام، فإن الرهان يبقى قائماً على القمة العربية المفتوحة على مصالحها وتفاهمات عربية يمكن أن ترسي أسساً لحل الأزمة السياسية التي زاد في تعقيداتها ترجيح ذهاب لبنان إليها بوفدين، ما يعني الإمعان في البقاء داخل المأزق.
ورغم هذه الصورة السوداوية لما آلت إليه الأوضاع، فإن نافذة الأمل التي أبقاها الرئيس بري مفتوحة وتأكيده على وجود فرص كبيرة للتفاهم مع سعد الحريري تسمح بتجديد المملكة العربية السعودية لمساعيها الخيرة لتسوية النزاع في لبنان وتثبيت الاستقرار فيه.