إبراهيم عوض
بدا الرئيس نبيه بري مغتبطاً بعد سماعه كلام الرئيس فؤاد السنيورة إلى محطة «العربية»، مساء أول من أمس، عن أنه بات في حلّ من الالتزام الذي قطعه للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى بعدم إرسال مشروع المحكمة الدولية إلى مجلس النواب، معلناً أنه سيفعل ذلك بعد عودته من القمة. وعلّق رئيس البرلمان على هذا الاعتراف، وفق ما نقله عنه زواره، بالقول: «أخيراً نطق السنيورة بالحقيقة وأقرّ بعظمة لسانه أن مشروع المحكمة لم يصل إلى مجلس النواب حتى الساعة». وتساءل «طالما أن الأمر كذلك، لماذا أقام فريق 14 آذار الدنيا ولم يقعدها، متهماً رئيس المجلس بتعطيل إقرار المشروع، ونظّم «عراضة» السبعين نائباً الذين جاؤوا الى البرلمان مطالبين بفتح أبوابه لدراسته، والأدهى إقدام رئيس الحكومة على مراسلة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون شاكياً رئيس السلطة التشريعية؟!».
وفيما تردد أن بري في صدد إعداد «الرد المناسب» على ما أورده السنيورة بخصوص المحكمة تبين أنه لم يعر اهتماماً للسؤال الذي وجّهه إليه نائبه فريد مكاري، متمنياً عليه «مكاشفة الرأي العام ما إذا كان لدى فريق 8 آذار توجّه بتحويل نظام المحكمة لجعل غالبية قضاتها من اللبنانيين وليس من الأجانب». وكان مكاري قد استند في سؤاله إلى خبر نشرته صحيفة كويتية نقلاً عن مصادر إيرانية جاء فيه «إن اجتماعاً عقد لهذه الغاية في مكتب معاون نائب الرئيس السوري اللواء محمد ناصيف في دمشق، حضره ممثلون عن «حزب الله» وحركة «أمل»، وهو ما نفاه كل من بري ونواب من الحزب، وآثر ناصيف تجاهله معتبراً أن الخبر «مفبرك من ألفه إلى يائه» وفق ما أفاد «الأخبار» مسؤول في مكتبه.
ويأخذ بري على مكاري مخاطبته عبر وسائل الإعلام، كما أعرب أمام زواره عن أسفه لاتخاذ نائبه وقادة قوى 14 آذار من خبر صحافي مشبوه، مادة تُبنى عليها مواقف ويخصص له حيّز في البيان الذي صدر عن هذه القوى أول من أمس، ووصف هذا العمل بـ«الإفلاس».
وإذا كان السنيورة في حديثه الى «العربية» كشف الحقيقة في ما يخص مآل مشروع المحكمة، أكد أنه لم يبرح أدراج السرايا بعد، فإنه عمد بالتالي الى اجتزاء وقائع تتعلق بزيارة دمشق التي لم تتم. إذ اكتفى بذكر الدعوة التي حملها له بري من الرئيس بشار الأسد شارحاً الأسباب التي حالت دون تلبيتها في الموعد المقترح من القيادة السورية لارتباطه بمواعيد سابقة خارج لبنان.
ومن المعلوم أن السنيورة تلقى دعوتين أخريين من الرئيس الأسد، واحدة نقلها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حين زار بيروت بعد العدوان، والثانية أعلن عنها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان خلال زيارته الأخيرة لدمشق، فيما تشير هذه الأوساط أيضاً الى ما سمعه رئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن من الرئيس السوري خلال استقباله له قبل أكثر من شهرين عن ترحيبه بالسنيورة وحرصه على أن تكون زيارته ناجحة.
وسألت «الأخبار» المكتب الإعلامي للسنيورة عن أسباب عدم تطرقه الى الدعوات المذكورة، مكتفياً بالحديث عن الدعوة التي تبلغها من بري، فأوضح بأن رئيس الحكومة كان يجيب عن سؤال محدد، جاء فيه: «لقد تم تحديد موعد لك في سوريا، لكنك لم تذهب فما ردّك؟». ومن هنا فإن رده تناول الدعوة التي حملها إليه رئيس البرلمان فقط».
وتتوقف الأوساط اللبنانية والسورية المتابعة عند ما يردده السنيورة عن رغبته في الاتفاق على جدول أعمال قبل زيارة دمشق، وقوله لـ«العربية» إنه أبلغ الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري بهذا الأمر في الأول من نيسان الماضي وبقي أكثر من شهر ونصف شهر ينتظر الجواب. وتكشف هذه الأوساط أن ما حمله خوري الى المسؤولين السوريين من مقترحات تشكل جدول الأعمال الذي تقدم به السنيورة، ويتلخص في خمس نقاط بعنوان «السير على مسارات متوازية»، وهي: قواعد لإعادة بناء الثقة، العلاقات الدبلوماسية، تحديد مزارع شبعا وتثبيت لبنانيتها، تخطيط الحدود ومراجعة الاتفاقات المعقودة، المفقودون.
وتفيد هذه الأوساط أن الرد السوري على مقترحات السنيورة كان تأكيد الترحيب بقدومه، على أن يتركز البحث بداية حول «إعادة بناء الثقة» بين البلدين، وكونها تعتبر المنطلق الأساسي لمناقشة جميع المسائل الأخرى، والتي يسهل بعدها التفاهم حولها وإيجاد الحلول لها. كما تلفت الأوساط المذكورة أن جدول أعمال السنيورة المشار إليه لم يغب عن اللقاء الذي جمعه ووزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال مشاركة الأخير في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في بيروت إبان العدوان، والذي رأى فيه المراقبون خطوة متقدمة تؤسس للمباشرة في تصحيح العلاقات، خصوصاً بعد الحفاوة التي لقيها المعلم من رئيس الحكومة وإصراره على مشاركته في مأدبة الغداء قبل عودته الى دمشق، وقوله له بأنه «لا يمكن لرئيس حكومة في لبنان أن ينجح إذا لم يكن على علاقة جيدة مع سوريا».