strong>فاتن الحاج
يمتهنون البناء ويستنبطون قاعات التدريس ويخترعون الخشبات لتأدية عروضهم
  • انسلخ طلاب قسم المسرح في الجامعة اللبنانية قبل سنتين عن مبنى الروشة، طمعاً بمساحات واسعة في الحدث توفّر مستلزمات التدريس. لكنّهم استفاقوا على حرم يفتقر إلى أدنى مقومات التجهيز. فماذا يقول الطلاب بمناسبة «اليوم العالمي للمسرح»؟

    لم يكن طلاب قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة ــــــ الفرع الأول في الجامعة اللبنانية يعلمون أنّهم «سيمتهنون» البناء وهندسة الكهرباء لاستنباط قاعات تدريس واختراع مسارح يلعبون عليها عروضهم المسرحية. وحده الإيمان بمبدأ «المسرح هو الأخ غير الشقيق للحياة» جعلهم وأساتذتهم يتفاعلون مع «الممكن»، بالحيوية التي تؤمن الاستمرارية، في غياب آليات تنفيذ الوعود المقطوعة منذ سنتين لتجهيز القسم. يسترق علي يونس (سنة ثانية، مسرح) الوقت المستقطع بين تمرين وآخر، ليظهر حماسة في الحديث عن «مأساة» قسم بنوا «أدواته» بجهودهم. يشير علي بيده إلى خشبة المسرح قائلاً: «بنيتُ هذا المسرح بنفسي، لملمنا «الفضلات» من الروشة. نشرنا الخشب، وصنعنا الدعائم. في الواقع ليس هناك مسرح. لا يوجد كواليس».
    فالطلاب ينفون أن يكون المكان الجميل في الحدث معداً لقسم المسرح، فالغرف ذات السقف العالي والمكشوفة لا تسمح بضبط الإضاءة ولا تنفع للتدرب على أعمالهم المسرحية. كما أنّ غياب خشب الـ «parquet» واستبداله «بالبلاط» سبّب ويسبب الكثير من الأذى للطلاب. فأيمن نحلة تعرّض في العام الماضي لتمزق في عضلات الظهر بعد وقوعه على الأرض أثناء قيامه بأحد التمرينات. ويصف أيمن المبنى بغير الصحي «فالبلاط لا يصلح للتمارين القاسية، والغرفترجع صدى الصوت، وضبط الإضاءة معدوم، كما أننا محكومون بتوزيع الغرف، ونُمنع حتى من أن نضع مسماراً في الحائط، إذا استدعت الحاجة ذلك». ولا ينسى أيمن أن يقول إنّه دفع من جيبه الخاص لشراء «البرادي»، بهدف تأمين خلفية سوداء للتفاعل مع المكان. وفيما يشدد علي على أهمية توفير الجامعة للإكسسوارات من ثياب وما شابه، يخالفه أيمن الرأي «باعتبار أنّ الممثل ــــــ الطالب، هو من يجب أن يفكر بالإكسسوارات التي تتناسب والدور الذي يؤديه».
    ومع أنّ الطلاب يستثمرون المكان الواسع عبر تقديم العروض داخل القاعات وفي الباحة الخارجية للمعهد، وعلى السلالم، غير أنّ ذلك لا يبرر، بحسب حنان ديراني (سنة ثانية) غياب «الأتيليه (ATELIER) المجهز بكل مستلزمات التدريس والتمثيل». وتثير حنان، من جهة ثانية، قضية الدوام وإقفال أبواب المعهد الثامنة مساءً، أسوة بسائر كليات الجامعة وبأمر من الشركة المولجة حماية المجمع الجامعي. إلاّ أنّ طلاب المعهد يتمتعون بخصوصية معينة، كما تقول حنان، إذ يطلب منهم إنجاز بعض الواجبات داخل الحرم، وإلاّ يُضفّ على العمل صفة الاشتباه وبعد الدوام الذي يمتد في بعض الأحيان إلى السادسة مساءً. أما زهراء مزهر (سنة أولى) فتختار الحديث عن المناهج الجديدة التي تسمح بالتعرف إلى مواد نظرية متنوعة في الصوت والرقص والسينوغرافيا والتصوير والاتصال والتواصل. لكنّ العبرة في التطبيق، على حد تعبير زهراء.
    كما أنه ليس هناك منهج خاص لتعليم المسرح، كما يجزم عبدو شاهين (سنة ثالثة)، «فكل أستاذ يدرسنا منهجاً معيناً». ويتوقف عند أهمية أن يتابع طالب المسرح كل الأعمال المسرحية التي تعرض في لبنان، لكنّ ضعف الإمكانات المالية يحول دون ذلك، في ظل عدم سعي الجامعة إلى الحصول على أسعار خاصة للطلاب. ويستغرب عبدو النظر إليهم كطلاب غريبي الأطوار فيكونون مدعاة للسخرية، علماً بأنّهم يأكلون ويشربون كالناس العاديين. ويدعو إلى استيعابهم في المجتمع، لأنّهم لا يستطيعون أن يعيشوا على الهامش.
    من جهته، يشخص رئيس قسم المسرح فائق حميصي الأزمة قائلاً: «يبدو أنّ الأمر التبس على المسؤولين فوضعونا في قاعات ممتازة لكنّها مخصصة للتدريس الهندسي، فاعتمدنا على حيوية الطلاب والأساتذة لاستنباط قاعات للتدريس والتمثيل، كي لا نوقف الحياة، مراعين في ذلك وضع البلد السياسي والمادي». ويردف: «الحياة بالمسرح ولا يمكن أن نكون كلاسيكيين»، متسائلاً: «هل يعقل أنّ لا يضم معهد للفنون قاعة عرض مسرحية؟». ويتطرق حميصي إلى شروط التدريس العامة المعترف بها دولياً (الشهادة، الخبرة التعليمية، الخبرة المهنية) التي يتمتع بها غالبية الأساتذة، وإن كان يحلو للبعض العبارة الذهبية اللبنانية «نظراً للضرورة»، فيتمسك بها ليقفز بها على الشروط.
    ويرى حميصي أنّ النظام الجديد «LMD» أعاد الأمور إلى نصابها لجهة تقليص ساعات التدريس الأسبوعية من 35 أو 40 ساعة إلى 20 أو 22 ساعة، باعتبار أنّ التدريس الجامعي لا يجوز أن يتجاوز العشرين ساعة ،تضاف إليها ساعات الأبحاث، مشيراً إلى أنّ ما كان يحدث سابقاً من زيادة للساعات يهدف إلى إرضاء الطبقات السياسية الحاكمة. كما يسمح النظام، بحسب حميصي، بالتداخل في تدريس الفنون المسرحية والسينمائية والفولكلورية.
    ويبقى الحل الجذري، برأي حميصي، في أن تقتنع الجامعة اللبنانية بأنّها تملك قسماً للتمثيل يتوسع ليكون قسماً للسينما والتلفزيون، متمنياً العودة إلى أصول إنشاء هذه الجامعة التي وجدت لتكون جامعة للفقراء تسهل لهم الدراسة في مجالات مكلفة جداً في الجامعات الخاصة.