قب الياس ـــ نيبال الحايك
تُعَدُّ بلدة قب الياس بوابة البقاع الغربي والجنوب من البقاع الأوسط، وهي تشكّل نقطة اتصال والتقاء لعشرات القرى. فعندما تطل من البقاع الغربي تبدأ سهول قب الياس بالتمايل الخجول الذي يجبر العين على النظر إلى سهولها واخضرارها وألوان طيفها التي تزنر هذه البلدة على مدار فصول السنة. حينيبدأ هواؤها العليل بمداعبة أحاسيسنا برائحتها العطرة ورائحة أراضيها الخصبة، نشعر بأننا في «كب هليوس» التي تعود إلى عصور مضت. يخال المرء وهو يجول بين «بقايا» آثار التاريخ أن عبق الروح يجول ويصول بين منازل قب الياس الحديثة الملونة بقرميدها الأحمر الحامل بصمات «فرنسا» يوم كانت تقيم على أرضنا.
قب الياس «الضيعة»، أو قل مدينة اليوم، غنية بصناعاتها المختلفة وزراعاتها المتنوعة ومياهها العذبة وضاربة في التاريخ من «كب هليوس» إلى «قبر الياس»، وصولاً إلى قب الياس، حلقة واحدة من أسماء متعددة تحمل في طياتها رمزاً وهدفاً واحداً هو: «قب الياس» التي استوطنت على أرضها عصور وعهود كثيرة مرّت من الفينيقي والروماني والعثماني، وصولاً إلى الانتداب الفرنسي.
تشتهر قب الياس بصناعاتها التي تساعد على نمو يد العاملة المثمرة، وهناك عدة مصانع، منها مصنع لتعبئة المياه العذبة وصناعة السيراميك والورق والكونسروة، مروراً بالمراكز التجارية العامة، وصولاً إلى السوق المركزية للخضر والفاكهة التي تُعَدُّ شرياناً حيوياً للبلدة والمنطقة لإسهامها في تصريف منتجات معظم مزروعات البقاع، ومنها زراعات قب الياس التي تشتهر بها، ولا سيما زراعات الحبوب والخضر، ما يعطيها طابعاً زراعياً مهماً ورأسمالاً كبيراً. فلكل عصر في قب الياس بصمته الخاصة التي تتميز بآثارها ومنها «قلعة قب الياس» التي بناها الأمير فخر الدين المعني الكبير، ومغارة «حيدرا» المنحوتة في صخرة شاهقة كانت معبداً لآلهة الشمس. إضافة إلى معالم متعددة منها: رأس العين التي تشتهر به البلدة، إذ تؤمن لها ثروة مائية مهمة إلى جانب أهميتها في استقطاب الزوار للتمتع بمنظرها الخلاب رغم بدء «اجتياح» التلوث محيطها وأطرافها البعيدة نسبياً.
تاريخ قب الياس، الحامل لسمات ومزايا جميلة، منها ما هو مهمل ومنها ما تسعى للحفاظ عليه بلدية قب الياس التي تقف حائرة أمام تضارب الصلاحيات بينها وبين وزارة السياحة ومديرية الآثار، كما يقول رئيس البلدية فياض حيدر الذي يسعى إلى الاهتمام بهذه الآثار وتجميلها من خلال البلدية التي تقف حائرة أمام الإهمال المزمن الذي أصابها. وفي انتظار ما ستؤول إليه «اهتمامات» مديرية الآثار، تهتم بلدية قب الياس بأمور تراها أقرب إلى الحفاظ على تراث البلدة، كأن تقوم بتجميل السوق الداخلية وإعطائها طابعاً تراثياً يحفظ، بالحد الأدنى، ما تتميز به البلدة، والطريق العامة، وإقامة مركز ثقافي، ومكتبة عامة تضم أهم كتب ودواوين شعراء وكتاب برزوا من قب الياس وغيرها، إضافة إلى بناء ملعب رياضي، وقصر بلدي، وحديقة عامة.
الحديقة العامة توقف تنفيذها بشكل مفاجئ وقد عزا حيدر ذلك إلى «عدم قدرة البلدية على استكمال هذا المشروع لأسباب مالية.
وقد شارفت البلدية، على إنجاز مشروع تجميل الوسط التجاري والسوق القديمة الهادف إلى الحفاظ على تراث قب الياس. حيدر أعلن «أن تكلفة المشروع هو ما بين 75 إلى 80 مليون ليرة، بالتعاون مع أهالي البلدة وتجار السوق، وأن عملية تزيين الجدران بلوحات فنية ومناظر طبيعية ورسوم تجميلية نفذها رسامون من البلدة قد شارفت على نهايتها».
كما يقوم عمال وفنانون بتصميم لوحة جدارية من السيراميك تجسد قلعة قب الياس التاريخية التي بناها الأمير فخر الدين المعني الكبير، وستوضع في وسط السوق التجارية بالقرب من بوابة تعود إلى عهد قديم وصممت بتقنيات حديثة.