strong>مهى زراقط
كان يكفي مؤتمراً صحافيّاً واحداً أن يثير ضجة حول موضوع
البرامج التلفزيونية التي تروّج للمستحضرات العشبية، ويؤسس لحملة تحذّر من مخاطر هذه المستحضرات وتدعو إلى تنظيم عمل هذا القطاع. لكن المؤتمر أدّى أيضاً إلى غياب «خبراء الأعشاب» عن السمع وعن لبنان من دون أن تغيب برامجهم ولو كانت «معادة»

طب الأعشاب هو أحد أنواع الطب البديل المنتشرة عبر العالم، هذه حقيقة علمية. خبراء الأعشاب العاملون في لبنان يفتقرون إلى الشروط التي تنظّم عملهم وتؤكد فاعلية مستحضراتهم، هذه أيضاً حقيقة علمية. وبين هاتين الحقيقتين، يضيع اللبنانيون في زحمة الترويج الإعلامي المكثّف لمختلف أنواع هذه المستحضرات عبر جميع الشاشات التلفزيونية اللبنانية وعدد من المحطات الإذاعية.
كلّ المعلومات الواردة أعلاه غير جديدة. الجديد برز مع إثارة الموضوع أخيراً، في مؤتمر صحافي مشترك عقده نقيبا الأطباء والصيادلة ورئيس جمعية حماية المستهلك، ماريو عون وصالح دبيبو وزهير برو في 15 آذار الفائت، يوم المستهلك العالمي، في إطار حملة توعية للمستهلك من بعض المستحضرات ورفضاً لكلّ أنواع الترويج للأدوية باختلاف أنواعهامنذ ذلك التاريخ، ونقيب الأطباء ماريو عون، يشهد «هجوماً» إعلامياً عليه، طلباً لمقابلات صحافية، «لكنها كلها من الإعلام المكتوب» كما يقول. عون يملك سبباً إضافياً لعقد المؤتمر الصحافي، هو وفاة مريضه بيار عواد، بسبب مستحضر عشبي اشتراه عبر التلفزيون وأدى إلى «حصول قصور كلوي لديه وردّات فعل مناعية أودت بحياته بعد ثلاثة أشهر فقط من استعمال المستحضر». وفيما يرفض عون الكشف عن اسم هذا المستحضر توضح لنا أرملة المرحوم عوّاد أن زوجها اشترى علبتين من هذا المستحضر (تذكر اسمه لنا) الذي يصل سعره إلى 25 دولاراً. وتؤكد أن زوجها لم يشتره بهدف العلاج، وهو مريض بالسكري، بل كفيتامين مقوٍّ.
من جهة ثانية اختفى بائعو هذه المستحضرات من لبنان، لكنهم بقوا يظهرون على الشاشة الصغيرة. محاولات عدة جرت للاتصال بكلّ من زين الأتات، نقولا إيماز ورامي الجمل والإجابة واحدة: «هم خارج لبنان، جدّدوا المحاولة مطلع الأسبوع المقبل» يقول العاملون في مكاتبهم أو المولجون الردّ على هواتفهم الخلوية. مدير مكتب إيماز ينصح ساخراً بأن نتصل بربّ عمله في أميركا وحين نطلب رقمه في أميركا يعتذر: «لا يمكنني إعطاء رقمه لأحد».
هكذا يمكنك الاستنتاج أن هؤلاء «الأطباء والخبراء» لا يتواصلون مع أحد إلا عبر التلفزيون.. أو عبر مواقعهم الإلكترونية التي لا يتورع أحدهم عن تقديم «معاينات مجانية» بعد تشخيص إلكتروني يجيب خلاله المريض على أسئلة لا تخضع لأي منطق علمي. أما المعاينة غير المجانية، التي تصل إلى خمسين دولاراً، فحصيلتها غالباً مستحضر واحد يوصف لكل الأمراض التي يشكوها المريض.
حملة ضد الدعايةلا تقتصر مشكلة هذا القطاع، الحديث نسبياً في لبنان، على اكتشاف سيئات مستحضر معيّن، بل تتعدّاها إلى فوضى عامة يغرق فيها قطاع الأدوية والأعشاب الطبية.
وهذا ما يوضحه رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان زهير برّو: «في اليوم العالمي للمستهلك طلبت منا المنظمة العالمية للمستهلك تنظيم حملة ضد الدعاية للأدوية، سواء التي تمارسها شركات الأدوية من أجل الترويج لمستحضراتها عبر عقد مؤتمرات للأطباء في الخارج أو إعطائهم عينات طبية مجانية من جهة أو مستحضرات الأعشاب كما يقول عنها أصحابها من جهة ثانية». ويكشف برو أن الجمعية كانت تتلقى الكثير من اتصالات المواطنين لتسأل عن فاعلية مستحضر معيّن، فشعرنا بالحاجة إلى إثارة هذا الموضوع، وخصوصاً أنه بات منتشراً بشكل كبير من دون وجود أرقام حتى الآن عن نسبة أرباح ممارسي هذه التجارة».
ماريو عون يبدو أقسى في توصيفه لهذه الظاهرة «المافيوية المنظّمة». برأيه، يندرج هذا الأمر في «فوضى تطبيق القوانين» التي يعانيها القطاع الصحي في لبنان «هناك دكاكين في هذا البلد ويجب أن تعمل وزارة الصحة على تنظيمها». ويتحدث عون عن مخالفات قانونية متعددة تبدأ بانتحال صفة الطبيب وما يليه ذلك من خداع يتعرّض له المواطنون من خلال بيعهم مستحضرات لا يوجد ما يثبت فاعليتها العلمية لأنها لم تخضع لرقابة.
كما يؤكد عون أن كل الذين يطلون عبر الشاشة غير أطباء حتى من يدعي منهم ذلك «لا أحد منهم مسجل في الجدول النقابي».
بدوره يؤكد نقيب الصيادلة صالح دبيبو أن لبعض الأعشاب فوائد، ولها مفعول إيجابي إذا أحسن استخدامها في حالات معينة، لكنها لا يمكن أن تكون بديلاً من الدواء. «لم يعد الأمر عبارة عن نصيحة بسيطة داخل مجتمع ضيق، إنهم يعطون صفات علاجية للنباتات الطبية، وهذا يعني أن المنتج يجب أن يخضع لقوانين نقابة الصيادلة ويفترض أن تنطبق عليه معايير المراقبة والصناعة التي تنطبق على الدواء».
ويوضح دبيبو أن لا سلطة لنقابة الصيادلة على هؤلاء «بينهم صيدلي واحد، لكني أعتقد أن من الظلم ملاحقته بشكل منفرد في ظل حالة عامة. يجب معالجة الموضوع بشكل نهائي من خلال الاتفاق مع وزارة الصحة على هذا الأمر بحيث لا يكون عمل لجنة الأعشاب الطبية والمتممات الغذائية مستقلاً عن عمل اللجنة الفنية المكلفة مراقبة الأدوية وتسجيلها».
لا ملاحقة قضائية
يحاول وزير الصحة المستقيل محمد جواد خليفة أن يكون موضوعياً في شرحه لهذه الظاهرة من خلال ردّها إلى «النزعة المنتشرة في العالم باتجاه الطب البديل». هذا يعني أن الوزارة تعترف بهذا النوع من الطب، لكنها لا تعترف بالضرورة بأن ممارسي هذه المهنة في لبنان يتمتعون بالصفات المناسبة لممارستها.ويؤكد أنه لا إمكان لملاحقتهم قضائياً لأنهم يلتزمون الشروط القانونية «لا يوجد ما نثبته ضدهم: هم لا يكتبون روشتة. لا يوجد على المستحضرات التي ينتجونها ما يفيد بأن لها صفة علاجية. كما لا يمكننا ملاحقتهم من خلال ما تبثه مواقعهم الإلكترونية، إذ لا شيء يؤكد للقضاء أنهم مسؤولون عنها، علماً بأننا لم نعط أحداً منهم إذناً بالعمل”.
الحل برأيه يتلخص في أمرين: «إنشاء لجنة لصناعة الأعشاب تتولى فحص هذه المستحضرات أسوة بدول العالم، ومنع استعمال هذه الأعشاب تحت عنوان مستحضرات علاجية. هي متممات غذائية».
إلى حينه، فإن أقصى ما يطمح إليه المتابعون هو وقف البرامج التلفزيونية إلى حين وضع الأطر القانونية والتنظيمية المناسبة.



الإعلام: بين التشريع والتضليل
تفاجأ الزميل عبد القادر سعد باتصال من طبيبه الدكتور نبيل سلهب يسأله فيها إن كان استعمل مستحضرات زين الأتات للتنحيف. كيف يتصل به وهو من أجرى له عملية تصغير المعدة؟
إذاً لماذا تظهر صورتك على التلفزيون في إطار الإعلان التلفزيوني الترويجي لبرنامج «عشبة بتشفي»؟ يسأله الطبيب ويسأله كلّ من شاهد الإعلان.
يتذكر عبد القادر أنه كان أعطى هذه الصور لزميلته التي كانت تعدّ حلقة خاصة عن السمنة في إطار برنامج «سيرة وانفتحت» لكن ليس لاستعمالها في إعلان تلفزيوني لمستحضرات عشبية!؟
يتجاوز هذا السلوك الإعلاني المبتذل أبسط القواعد الأخلاقية والإعلامية. وهو لا يأتي إلا ليضاعف من الاستسهال وعدم احترام محطات التلفزة اللبنانية لمشاهديها وخصوصاً في برامجها المخصصة للمستحضرات التي يقال إنها مصنوعة من الأعشاب.
للتلفزيون خصائص كثيرة، أبرزها أنه يضفي شرعية على كل ما يقدّمه. وتتفاوت هذه الشرعية باختلاف درجة الثقة التي استطاعت محطة تلفزيونية معينة أن تبنيها مع مشاهديها. هذا مبدأ إعلامي يشكل أساساً في أي عمل اتصالي أو تسويقي. المبدأ الثاني يقول إن الإعلانات هي وحدها التي لا تحظى بنعمة «الشرعية» التي تضفيها المحطة على ما تبثه. يكفي القول عن برنامج إنه إعلان مدفوع حتى تختلف طريقة تلقيه ودرجة صدقيته من المشاهد.
من هنا يبرز خطر البرامج المخصصة لبائعي المستحضرات العشبية، إذ إن وسائل الإعلام اللبنانية تخصّ «الخبير» أو الطبيب بمذيعة تستقبله، تطرح عليه الأسئلة وتسمح له باستقبال اتصالات على الهواء من دون أن يحظى المشاهد بمعرفة أمر واحد على الأقل: هذا برنامج أم دعاية؟
في المقابل، لا دور للمجلس الوطني للإعلام في هذا الإطار لأنه «لا يمكننا أن نقوم بعمل وزارة الصحة التي يفترض بها أن تراقب هذا الأمر». يقول عضو المجلس الوطني للإعلام المحامي جمال فاخوري، مستطرداً: «إلا في حال وقوع ضرر، ووجود مدّعٍ، عندها يحق لنا التحرك».
أي إننا في انتظار وقوع الضرر... لكن ماذا لو كانت حالة المتضرّر كحالة أرملة بيار عواد التي لا تملك تكلفة رفع دعوى قضائية؟


في القانون تفيد المادة 37 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان بأن «تجارة الأعشاب الطبية التي لها صفة علاجية سواء بمفردها أو مخلوطة أو التي يمكن أن تحتوي على مواد مضرة أو سامة هي كلها مختصة بالصيادلة. كذلك يختص بالصيادلة أو بمن أجيز لهم حسب هذا القانون:
1ـــ كل تحضير أو عملية يراد بها تغيير خصائص النباتات الطبية أو استخلاص منتجات منها.
2ـــ بيع المنتجات الناشئة عن التحضيرات أو العمليات المشار إليها، سواء أكان البيع بالجملة أو بالمفرق.
وتوضح المادة 38: «تبقى تجارة النباتات وأجزاء النباتات غير الوارد ذكرها في المادة السابقة حرة شرط أن تباع بحالتها الطبيعية وباسمها العلمي أو الدارج مع اسم بلد إنتاجها عند الاقتضاء بدون أية تسمية غير مألوفة أو دلالة علاجية».
هاتان المادتان تؤكدان تجاوز بائعي الأعشاب للقانون، وخصوصاً أنهم يؤكدون قدرة مستحضراتهم على العلاج... لكن المشكلة تكمن في أنهم لا يخضعون لهذا القانون لأنهم ليسوا أعضاء في النقابة وهم يبيعون منتجاتهم بوصفها متممات غذائية.