غسان سعود
يُختصر مشهد وزارة المهجرين منذ مؤتمر «عودة الحق» و«مصالحة المختارة» بنشاط صندوق المهجرين على كل الجبهات باستثناء البلدات التي تعهّد الوزير طعمةأمام البطريرك الماروني نصر الله صفير أكثر من مرة إعطاء ملفاتها الأولوية على كل الملفات الأخرى... «الأخبار» تنشر فصلاً من الرواية الطويلة

نشرت «الأخبار» في عددها الصادر بتاريخ 21/12/2006 رسالة من مسؤول العلاقات العامة في «مكتب خدمات الرئيس رفيق الحريري» عدنان الفاكهاني، إلى رئيس صندوق المهجرين فادي عرموني، يطلب فيها مساعدة حاملها على إنهاء معاملته للترميم المنجز العالقة منذ أكثر من عشر سنوات. وسرعان ما ردَّ الصندوق على هذا الخبر في اليوم نفسه، ونشر الرد في اليوم التالي، وفيه تأكيد التزام الصندوق تطبيق المعايير المعتمدة والقانونية ومراعاتها في تسيير كل المعاملات التي تحددها القوانين والإجراءات المعنية لصرف التعويضات من دون التأثر بالكتب والتوصيات التي ترده و«يتجاوز عددها الآلاف».
وللصدف، وفي اليوم نفسه الذي نُشر ردّ الصندوق، كان حامل رسالة الفاكهاني المؤرخة في 14/12/2006 يقبض أمواله، أي بعد أربعة أيام فقط على تقديمها لعرموني. ولعل حصول هذا الرجل على أمواله بهذه السرعة إثر تقديمه الرسالة، على رغم بقاء معاملته عالقة أكثر من عشر سنوات، تمّ بمحض الصدفة. لكن الأمر نفسه تكرر مع عدد كبير من حاملي الرسائل ــ التوصيات التي تثبت أنها الوسيلة الوحيدة لانطلاق المعاملة في الصندوق والقبض، وإلا لما تكررت هذه الحال، الأمر الذي يعيد مرة أخرى فتح ملف دور وزارة المهجرين وصندوقها، على رغم تأكيد المقرّبين من وزير شؤون المهجرين نعمة طعمة «أن الربط بين المسائل بهذه الطريقة يهدف فقط إلى إزعاج المسؤولين في عملهم، وتقييد قدرتهم على التحرك».
وكان هذا الملف قد عاد إلى التداول إثر انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف العام الماضي، ودعوة التيار الوطني الحر إلى مؤتمر «عودة الحق» في 30 أيلول 2006 لبحث قضية المهجرين. يومها، قال مسؤول ملف المهجرين في التيار المهندس سيزار أبو خليل «استدعى رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، بشكل مفاجئ، لجان العودة في قرى الشحّار إلى لقاء في المختارة خلافاً للأصول وبغياب الأسس والمرتكزات والقواعد المعمول بها لتوقيع المصالحات في وزارة المهجرين. وأغدق نواب الأكثرية الوعود على المهجرين، وتعهّدوا بالدفع لأصحاب الحقوق يوم الاثنين 2 تشرين الأول 2006». لكن و«بعد مرور أكثر من عشرين أسبوعاً على ذاك الاثنين لم تُوقّع المصالحات ولم تُدفع التعويضات ولم يعُد المهجّرون. والعذر كالعادة عدم توافر الأموال».
في المقابل، يقول أبو خليل إن الصندوق المركزي للمهجرين يدفع بين 6 و8 مليارات ليرة شهرياً لطلبات جزء مهم منها «للترميم المنجز». ويلفت إلى توزيع هذه التعويضات بموازاة التظاهرات الداعمة للرئيس فؤاد السنيورة زماناً ومكاناً، «وخصوصاً في بيروت وطرابلس. فحين نُظّمت مثلاً تظاهرة مؤيدة للحكومة في طرابلس، تركّز دفع صندوق المهجرين ذلك الأسبوع في هذه المدينة وضواحيها. وتكرر الأمر نفسه في بيروت ودير القمر»، وهي أمور تعتبرها مصادر في الصندوق «غير دقيقة ومجرد صدفة إذا ثبتت عند المقارنة بين مكان الدفع وزمانه».
ويبدو منسّق لجنة العودة إلى عبيه أنطوان بستاني أكثر حدّة في الكلام على هذا الملف، وخصوصاً أنه كان أول الحاضرين في دار المختارة في 30 أيلول الماضي، بحجة إتمام «المصالحة القائمة أصلاً». ويشكو البستاني من تكرار مسلسل «الكذب» نفسه في عدم توافر الأموال مروراً بعدم «قدرتهم على إرجاع أرزاقنا» ووصولاً إلى حديثهم المستجدّ عن إجراء مسح. وهذه جميعها باتت مرفوضة من معظم المهجرين بحسب البستاني الذي يؤكد أن إعطاءهم أموالهم يوم أُنشئت الوزارة كان سيكلّف عشر كلفة الوزارة خلال أربع عشرة سنة.
وتكشف حركة مدفوعات صندوق المهجرين خلال الشهور الأربعة الماضية، وضوح الانتقائية المناطقية (بيروت، طرابلس، وبعض بلدات الشوف)، الطائفية (سنّة)، والسياسية (الموالاة). ويشترط في الدفع للمسيحيين، بحسب أحد الناشطين في لجان العودة، أن يكونوا موالين للحكومة وعلى خصام معلن مع العماد عون. وتقول مصادر موثوقة إن رئيس الصندوق المركزي للمهجرين يبقي في مكتبه الخاص معاملات وشيكات تعود للمنتفعين وتخص معظمها أهالي المدور، الرميل والصيفي، وتمر هذه المعاملات بحسب المصدر عبر أحد مخاتير المنطقة وهو مقرّب عائلياً من عرموني الذي يقال إنه يتحضّر للترشح للانتخابات النيابية المقبلة عن المقعد الأورثوذكسي في بيروت، بعد نجاح تجربة النائب أنطوان أندراوس.
وبين هذه «الخبرية» وتلك، يُذكّر أحد المرشحين السابقين في بعبدا ــ عاليه الوزير نعمة طعمة الذي اعتبر أخيراً أن من بين إنجازاته المهمة «مصالحة دقون ــ بعورته»، بأن هذه المصالحة تمت أيام الوزير عادل حميّة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. ويشير المصدر إلى تخبّط فريق السلطة في هذا الملف وجهله تفاصيله، بدليل تصريح أحد القياديين المسيحيين بأنه سينجز مصالحة كفرمتى كما أنجز مصالحة «دقون ــ بعورته» التي حصلت قبل شهرين من خروجه من السجن.