صدر حكم قضائي مطلع هذا الشهر في حقّ معاون في قوى الأمن الداخلي استخدم وسائل تعذيب خلال تحقيقه مع مشتبه فيه عام 2004. ومنذ تعيينه مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي عام 2005 وعد اللواء أشرف ريفي «باهتمام خاص بحقوق الإنسان». هل توقّفت انتهاكات عناصر الشرطة القضائية لحقوق الإنسان؟ في حكم قضائي نادر في لبنان، أصدر الحاكم المنفرد الجزائي في بيروت القاضي هاني عبد المنعم الحجار، بتاريخ 8/3/2007، حكماً بإدانة أحد عناصر مفرزة بيروت القضائية لتعذيبه عاملاً مصرياً خلال التحقيق معه عام 2004، وذلك باستخدام الأسلوب المعروف بـ«الفروج».
وتكمن أهمية هذا الحكم في عدة نواح أهمها أنه يعترف بوجود أسلوب تعذيب، كان مستخدماً داخل السجون والمخافر اللبنانية، وهو ما يسميه الموقوفون والمحققون «الفروج». ولا بد من الإشارة إلى أن الحديث عن هذا الأسلوب، وغيره من أساليب التعذيب كـ«البالانكو» على سبيل المثال، كان ينتقل همساً بين اللبنانيين، لكنه للمرة الأولى يذكر في حكم قضائي صادر عن قاض لبناني يدين من استخدم هذا الأسلوب.
ومن ناحية أخرى، يضفي كون المدّعي عاملاً أجنبياً على الحكم رمزيةً تتعلق بدعوة عدد من منظمات حقوق الانسان إلى إنصاف العمال الأجانب ورفع الغبن عنهم، باعتبارهم يتعرضون «لاعتداءات مرتبطة بمشاعر رُهاب الأجانب»، حسب تقارير منظمة العفو الدولية. ولا بد من الإشارة إلى أن أحد النواب المصريين كان قد تقدم، منتصف عام 2004، أمام مجلس الشعب المصري، بـ«طلب إحاطة» تحدث فيه عن تعذيب يتعرض له العمال المصريون في لبنان، مورداً أرقاماً مبالغاً فيها عن وجود حوالى 6 آلاف سجين مصري في سجن رومية المركزي.
وكانت القضية قد بدأت بتاريخ 19/5/2004 حين تقدمت سيدة أميركية بشكوى ضد مجهول بعد تعرض منزلها في منطقة بدارو للسرقة. على الفور أوقف عناصر مفرزة بيروت القضائية، بناءً على إشارة النائب العام الاستئنافي، ناطور المبنى المدعو جمعة السيد سالم أحمد، وهو من التابعية المصرية. ثم أُفرج عنه بتاريخ 22/5/2004، فتوجه في اليوم التالي إلى الطبيب الشرعي سامي القواس، واستحصل منه على تقرير طبي ثبت فيه بعد الفحص «وجود تورّم مع كدمات رضّية عديدة في الخد الأيسر والعنق، مع ازرقاق واحمرار ووجود كدمات رضّية في أعلى الصدر تميل إلى الاصفرار». وذكر الطبيب في تقريره «وجود آثار ازرقاق في الكتف الأيمن ووجود كدمة في الكوع الأيسر تميل إلى الازرقاق، وآثار خطية في المعصمين»، بالإضافة إلى «وجود ازرقاق وألم في ظهر الكف الأيمن وألم في ظهر الكف الأيسر ووجود كدمة رضية في الفخذ الأيمن بلون أزرق ووجود آثار ازرقاق في أخمص الرجلين، تشتد ازرقاقاً في الوسط، مع ألم وازرقاق في أصابع الرجل اليسرى وازرقاق في المنطقة الوسطية من الرجل اليمنى». وأورد تقرير الطبيب الشرعي أن «المدّعي كان لا يستطيع السير براحة وكان يعرج وينحني». واعتبر الطبيب الشرعي أن «هذه الإصابات ناتجة من استعمال العنف والضرب الشديد والمتواصل بفترات مختلفة كما يتبين من الألوان المختلفة للكدمات»، وأن «شكل الإصابات يتوافق مبدئياً مع الإصابات التي تحصل عند استعمال وسيلة «الفروج»، أي ربط اليدين إلى تحت الركبة مع إدخال قسطل من الخلف وراء الركبتين».
وبعد الحصول على تقرير الطبيب الشرعي، تقدم أحمد بشكوى أمام النيابة العامة العسكرية في حق معاون في قوى الأمن الداخلي كان يحقق معه في أحد مخافر بيروت. وأثناء التحقيق مع العسكري المدّعى عليه أنكر كل التهم الموجهة له، وشهد زميله بعدم تعرضه للمدعي. وبما ان المدير العام لقوى الأمن الداخلي لم يوافق على ملاحقة المدعى عليه عام 2004، فقد قررت النيابة العامة التمييزية في حينها إحالة الأوراق على النيابة العامة الاستئنافية في بيروت. وقد أعاد الحكم القضائي الصادر عن القاضي هاني عبد المنعم الحجار ذكر أن الآثار الموجودة على جسد المدعي «تدل على استعمال أسلوب «الفروج» معه». واعتبرت المحكمة أن هدف إنكار المدعى عليه هو التهرب من المسؤولية، أما هدف زميله فهو التغطية على المدعى عليه.
وقد حكم القاضي الحجار على المعاون بالسجن سنة واحدة سنداً إلى المادة 401 من قانون العقوبات وباستبدال جزء من الحبس بالغرامة تخفيفاً، وفقاً للمادة 254 من قانون العقوبات، والاكتفاء بحبسه 15 يوماً، وبتغريمه مبلغاً وقدره 300 ألف ليرة لبنانية، وبدفع مبلغ 600 ألف ليرة للمدعي.
(الأخبار)