جان عزيز
يجزم مراقبون بأن قضية الكشف عن متهمين مزعومين بالتورط في جريمة تفجير عين علق، «علقت» في أدراج احراجات السلطة، وينتظر أن تظل «معلّقة» أمداً غير قليل. لماذا؟ بعض مقتطفات التطورات الأخيرة المرتبطة بالقضية، تعطي فكرة عن الأسباب:
1 ــ مواقف رسمية و«خبرائية» أميركية، تصرّ على وجود علاقة بين «فتح الإسلام» المتهمة لبنانياً، وبين «القاعدة»، أي التنظيم الأصولي السني الأول.
2 ـ وكالة رويترز تنقل عن مسؤولي استخبارات أميركيين، «أن سعوديين وعرباً يزيدون إسهاماتهم الخاصة للمتشددين السنة في لبنان (...) في محاولة لإيجاد ثقل مقابل لجماعة حزب الله (...) أموال سعودية تتدفق على جماعات سنية متشددة لنية محددة هي مواجهة الشيعة وحزب الله في لبنان (...) المبالغ يمكن أن تصل الى ملايين الدولارات (...) لبنان يرجح أن يبرز كمكان تجد فيه «القاعدة» ومن يقلدونها ملاذاً (...) مبالغ كبيرة أعطيت الى «عصبة الأنصار» و«فتح الإسلام» (...) الولاء لجدول أعمال السعودية وأسرة الحريري هو المتوقع في المقابل».
3 ـ القائد السابق لقوات «يونيفيل» يعتبر أن «التهديد الرئيسي في لبنان ليس حزب الله، وإنما المجموعات الإسلامية المرتبطة بالقاعدة (...) مجموعة سنية صغيرة نعرف تقريباً مكان وجودها وأنها تعدّ خططاً للنيل من قواتنا...».
ماذا لو طوينا تلك المواقف وأقفلنا حلقة مؤشراتها؟ تكون النتيجة: «فتح الإسلام» مسؤولة عن تفجيري عين علق، وفق رواية السلطة. «فتح الإسلام» وسواها من المجموعات السنية الأصولية تتلقى دعماً من جهات عربية وسعودية. الهدف من هذا المخطط «الولاء لأسرة الحريري»... عندها يسحب الموضوع من الضوء الإعلامي قبل أن تكبر دائرة الاستفهام والاستيضاح، خصوصاً في وجود سيرج براميرتس، المتنقل بين الرياض وأنقرة، سائلاً عن خالد طه وحجّاج أوستراليا، وعن لؤي السقا ومن دفع له المال لتقديم شهادة مغلوطة في جريمة اغتيال رفيق الحريري.
سحب الموضوع من تحت التركيز الإعلامي، رافقه كما يؤكد مطّلعون سحب آخر من الاهتمام الدبلوماسي. سلسلة اتصالات قام بها قريبون من السلطة بالبعثات الغربية في بيروت، وحملت رسالة واحدة: التخفيف من الاهتمام بما وصف بأهم إنجاز للسلطة، وبالكشف الكامل والموثّق بالأدلة والاعترافات، للمرة الأولى، لجريمة من «الجرائم المترابطة» منذ 1 تشرين الأول 2004، أي محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، حتى 13 شباط 2007، تاريخ تفجيري عين علق. حرص السلطة على سحب «إنجازها» من الاهتمام الإعلامي والدبلوماسي، كان واضحاً أو حتى فاضحاً. فمن الناحية القانونية القضائية لم يصدر بعد أي بيان رسمي عن الجهات القضائية المختصة يحدد تفاصيل الإنجاز: من هم الموقوفون؟ ما هي جنسياتهم؟ من أصدر الاستنابات؟ ما هو مضمون الادعاء القضائي على المتهمين؟ وسواها من الأسئلة.
أما من الناحية الدبلوماسية، فتكفي المقارنة مع «إنجاز» مماثل، هو اعتقال متهمي مجدل عنجر في أيلول 2004. يومها كانت السلطة في ذروة مواجهة عنيفة مع العواصم الغربية، على خلفية صدور القرار 1559 والتمديد لإميل لحود. وكان المسؤول المباشر عن «الخبطة» صهر الرئيس، وزير الداخلية في حينه الياس المر. ورغم تلك المفارقات، بدأت الرواية في 21 أيلول 2004 بخبر نقلته وكالة «رويترز» من روما، مفاده أن إيطاليا أحبطت هجوماً إرهابياً كبيراً على سفارتها في بيروت، ليلي ذلك موقف لوزير الدفاع الإيطالي أنطونيو مارتينو، يشيد بالمخابرات العسكرية الإيطالية «للعملية الباهرة في لبنان». كما شكر أجهزة الأمن اللبنانية والسورية لتعاونها في إحباط الهجوم. وفي اليوم نفسه كان المؤتمر الثنائي لعدنان عضوم والياس المر للإعلان عن «الإنجاز»، لتكرّ بعده سلسلة زيارات السفراء الغربيين الى الصنائع للتهنئة، وبينهم السفير الأميركي جيفري فيلتمان.
بعد عامين ونيف، وفي ظل سلطة «صديقة» لتلك العواصم الغربية، ووسط استنفار دولي لتلقفّ أي خيط يساعد خليفة ديتليف ميليس في إكمال تركته الثقيلة، ورغم الإعلان عن اكتشاف كامل لجريمة غير كاملة، يلاحظ الصمت المريب، أو المشكك، فلا من يتابع ولا من يهنّئ.
مراقبو الخبطات الإعلامية الأمنية للسلطات المتعاقبة، يعتبرون المسألة في سياق نهج روتيني، ويؤكدون أنها ليست المرة الأولى التي يحرص فريق لبناني فاعل على «لملمة» ملف مرتبط بتنظيم «القاعدة». وبعودة سريعة إلى ملفات الأعوام الماضية يشيرون إلى المحطات البارزة الآتية:
ــ مشاركة أحد اللبنانيين في هجمات 11 أيلول 2001، وقد تولى مسؤول لبناني راحل «معالجتها»، خصوصاً بعدما تبين أن أحد أنسباء اللبناني «البنلادني» محسوب عليه.
ــ اكتشاف شبكة «قاعدة» لبنانية في تشرين الأول 2002، واعتقال 20 من أعضائها... قبل أن ينتهي الأمر قضائياً الى النسيان والأحكام العادية المخففة.
ــ الإعلان في كانون الأول 2005 عن انتقال فريق أمني أميركي إلى بيروت لمتابعة معلومات عن تحضير «القاعدة» لعمل إرهابي كبير «من مركزها في لبنان».
ــ إعلان السلطة في 13 كانون الثاني 2006 توقيف 13 «قاعدياً»، ما تحول مرة أخرى ملفاً هامشياً لدى القضاء العسكري.
مروراً بأحداث الضنية وتفجيرات المطاعم الغربية وقانون عفو 20 تموز 2005، الذي توجّه سيمور هيرش بحديثه عن تولي سعد الدين الحريري شخصياً دفع كفالات المستفيدين منه من الأصوليين.
الخلاصة: ملف عين علق الى التعليق وإلّا «علقة» جديدة لأصحاب شركات الأمن الخاصة المستحدثة.