طرابلس ــ فريد بو فرنسيس
على الرغم من وصفه بالـ«خان»، إلا أن تصميم خان الخياطين في طرابلس يختلف جذرياً عن تصاميم الخانات الأخرى، فيبدو كأنه شارع طويل مسقوف أقيمت على جانبيه الدكاكين والحوانيت التي تعنى بكل ما يتعلق بمهنة الخياطة تقليداً وتراثاً.
ليس هناك أية وثيقة تاريخية تحدد تاريخ هذا الخان على وجه الدقة، لكن مديرية الآثار والمؤرخين، فضلاً عن كبار الطرابلسيين، يذكرون أن مدخله الغربي يحتوي على عمودين وتاجين، كل منهما يعود إلى العصر البيزنطي، ما يدل على أن هذا الخان يعود إلى عصور قديمة، على الأقل إلى العصر البيزنطي، أي إلى أكثر من ألف سنة تقريباً.
وقد اشتهر هذا الخان منذ تأسيسه باسم خان الخياطين، على اعتبار أنه كان متخصصاً بحياكة الحرير ونسجه، وتفصيل «الزنانير» (مفردها الزنار) الحريرية التي كان يلفها الأشخاص حول أوساطهم. وقد اشتهرت طرابلس في فترة الحروب الصليبية، وما تلاها، بصناعة الحرير والنسيج، التي كانت تنال إعجاب كل الأمراء والقادة في أوروبا، فكانوا يرسلون البعثات خصيصاً لشراء هذه المنسوجات الحريرية، التي كانت تصنع وتحاك في هذا الخان بالتحديد.
هناك عدة روايات ونصوص تتعلق بهذا الموضوع، حتى أن بعض المؤرخين الصليبيين يذكر أن «طرابلس عندما سقطت في أيدي الصليبيين، كان فيها أكثر من أربعة آلاف عامل يعملون فقط على النول في حياكة النسيج الذي يستخرجونه من دودة القز».
رُوعي في بناء خان الخياطين اتساع مساحته لاستيعاب أكبر عدد ممكن من التجار والزوار، وهو اليوم يجمع بين التجارة والصنعة، حيث تقوم فيه حرفة الخياطة، إلى جانب بيع الأقمشة والملابس العربية القديمة، كما يحتل مركزاً ممتازاً ورئيسياً في جولات السائحين والباحثين الذين يؤمون طرابلس للتعرف إلى تاريخها وتراثها.
خان الخياطين يشهد اليوم انطلاق أعمال التأهيل فيه، عبر هبة مقدمة من وكالة التعاون الدولي الإسباني، تقدر بخمسمئة ألف دولار أميركي، ضمن المرحلة الأكبر والأهم والأخيرة في عملية إعادة التأهيل، التي تأتي بعد المرحلة الأولى الجزئية التي نفذتها الحكومة الألمانية منذ نحو ثماني سنوات.
عملية التأهيل هذه انطلقت أخيراً من خلال احتفال أقامته بلدية طرابلس يوم أمس داخل الخان، في حضور سفير إسبانيا في لبنان ميغيل نيزو، وفاعليات من المدينة.
رئيس بلدية طرابلس المهندس رشيد الجمالي، أشار إلى أن «مبادرة الحكومة الإسبانية تأتي اليوم لتضيف صفحة جديدة في سجل التعاون البناء والخلاق بين بلدينا»، مشيراً إلى أن «مشروع إعادة التأهيل سوف يطال بناه التحتية والفوقية ومخازنه وطابقيه الأرضي والعلوي، ليصبح خان الخياطين جوهرة تزيّن جبين المدينة التاريخية، وليغدو مقصداً سياحياً على الصعد اللبنانية والعربية والدولية».
السفير الإسباني نيزو، أمل بدوره أن تنتهي أعمال ترميم الخان بأقصى سرعة «كي نراه يزهو مستقبلاً كما نريده أن يكون»، كاشفاً عن «مشاريع تنفذها الحكومة الإسبانية في طرابلس، وأهمها مشروع سياحي في محمية جزر النخل، تقوم به الحكومة الإسبانية بالتعاون مع وزارة البيئة، بغية الاستفادة منها وتنميتها بصورة أفضل».
وتحدث في الاحتفال أيضاً قنصل إسبانيا الفخري في لبنان حسام قبيطر، الذي أكد «استمرار دعم الحكومة الإسبانية للبنان عامة، ولمدينة طرابلس خاصة، نظراً لما تزخر به من معالم أثرية». أما رئيس دائرة الأوقاف الإسلامية في طرابلس الدكتور عبد الفتاح كبارة فلفت إلى أن «أغلب الدول تسعى جاهدة لإبراز امتدادها في الزمان، عبر بعض معالمها الأثرية التي تسعى دائماً إلى حمايتها، لتكون شاهدة على وجودها، وبالتالي مزاراً يؤمه القاصدون».