ثائر غندور
«التجارة العادلة» هي الكلمة المفتاح التي تحضر بقوة في «سوق الطيب» حيث يبيع المزارع منتجاته للمستهلك مباشرة من دون وساطة تاجر.. هذه السوق الأسبوعية التي تُقام في الجميزة، وأخيراً في صيدا، تحوّلت إلى طقس اجتماعي يربط بين المنتجين والمستهلكين

لم تكن السوق مكتظةً عند العاشرة صباحاً، لكن “صاج” نيللي ومنى جذب الكثيرين ممن وقفوا في صف للحصول على “منقوشة”، فيما تحلّق عدد مماثل حول “صاج” أم علي في الطرف المقابل.
سبب الازدحام ليس السعر الزهيد، فثمن منقوشة الزعتر ثلاثة آلاف ليرة لبنانية.. لكن “المنقوشة” طبيعية مئة في المئة.
في “سوق الطيّب” يضمن المستهلك أنه يحصل على منتج صحي. المنقوشة، مثلاً، مصنوعة من القمح البلدي الذي زرع “على بعل” أي من دون ري، وطُحن مع قشره. أما مكوّناتها من زعتر، لبنة، جبنة، كشك أو خضار فهي بلدية وتحضّرها هؤلاء النسوة اللواتي يبعنها. لذلك “لا يعتبر سعرها مرتفعاً” بحسب نوال، واحدة من المستهلكات اللواتي لا يهمّهنّ السعر بقدر جودة المنتجات: “آتي إلى هنا كل سبت لأشتري مونة الأسبوع من خضار، خبز، مربى، جبنة، عسل... صحيح أن الأسعار مرتفعة قليلاً لكن المزارعين يستحقونها”.
تنطلق “سوق الطيب” من مبدأ “التجارة العادلة” مع إضافات لبنانية تحت مسمّى “الوطنية الغذائية”! وانطلقت فكرة إقامتها قبل أربع سنوات، فشكّلت، بداية، جزءاً من الـGarden Show الذي يُقام سنوياً، ثم تحوّلت إلى سوق أسبوعية تُقام كلّ سبت في موقف “الصيفي” في الجميزة ابتداء من شهر أيار 2004. ويوضح كمال مزوّق، أحد المنظمين، أن المكان غير ثابت “لأن أصحاب الأرض لم يشتروها كي يؤجرونا إياها بسعر زهيد”.
توفّر “سوق الطيّب” للمزارعين فرصة استئجار جناح كبير مقابل خمسين دولاراً، ومتوسط مقابل خمسة وعشرين دولاراً، وصغير مقابل خمسة عشر دولاراً. ويحظى كل مزارع بفرصة استئجار جناح خاص به، كما تقول جوزيت نجيم، وذلك بعد زيارة أرضه والكشف عليها: “فإذا كان سيبيع خمسمئة كيلوغرام من الجزر سنوياً فعليه أن يملك الأرض التي يمكن أن تنتج هذه الكمية”. بمعنى آخر، يجري التأكد من أن هذا الشخص هو مزارع فعلياً لا تاجر يشتري المنتجات الزراعية ويعرضها في السوق. وإن المنظمات العالمية لعلامة التجارة العادلة (FLO) تمنح شهادة الصداقة للمنتج المصنّع وفق معايير التجارة العادلة، وتساعد العلامة المستهلك على التعرّف بالمنتج المصنّع وفق معايير محددة للعمال وللبيئةيوجد في السوق أيضاً جناح خاص بالزراعات العضوية، ويُشترط بالمزارع الراغب في الحجز فيه الحصول على شهادة من أحد مركزي التوثيق الموجودين في لبنان منذ أقل من سنة. وتعمل حالياً “سوق الطيّب” بالتعاون مع الدولة الإيطالية على دفع بدل الحصول على هذه الشهادة لمئة مزارع لبناني، وذلك كي يتمكّنوا من وضع شعار الزراعة العضوية على منتجاتهم.
ساهمت هذه السوق في إيجاد علاقة مميزة بين المنتجين الذين يشاركون فيها، وهي تضمّ مزارعين من الجنسين. تجد سيدات “جمعية أرصون ــ المتن” اللواتي يعرضن “المونة” اللبنانية في السوق بعد تراجع المعرض السنوي الذي تعوّدن أن يُقمنه في قريتهن بسبب الوضع السياسي. أما سليمان ملاعب فيتفاخر بقهوته الخالية من البن! واللبنة التي لم تُصنّع من الحليب!! كيف؟ “القهوة مصنوعة من سبع حبوب واللبنة كما الجبنة من الصويا” يجيب بسعادة. سليمان الجديد في هذه السوق، عرف بأمرها منذ شهرين فقط، إلا أنه قديم “في هذا الكار” ويتقنه.
ويمكن مراقب الحوارات التي تدور بين المنتجين والمستهلكين الاستنتاج أن العلاقة توطّدت بينهم. إذ إن أغلبهم يزور السوق أسبوعياً ليشتري مونته، واللافت عدم اعتراض الكثيرين على الأسعار التي تُعتبر مرتفعة نسبياً “من أجل صحة عائلتي أدفع وما بتفرق معي”، تقول مدام صابر.
“التجارة العادلة” هي شراكة تجارية مبنية على الحوار، الشفافية، والاحترام بين المنتج والمستهلك. وهي أيضاً حركة عالمية تسعى إلى توفير العدالة في التجارة عبر المساهمة في التنمية المستدامة من خلال تقديم حالة تجارية أفضل وتوفير حقوق العمّال والمنتجين المهمّشين في البلدان الفقيرة.
وهي تقوم على تنظيم صفقات رابحة لصغار المنتجين ما يوفّر سعراً عادلاً لعملهم، وعقوداً طويلة الأمد تحقق لهم الاستقرار، ودعماً لتنمية قدراتهم ومهاراتهم من أجل تطوير تجارتهم وزيادة مبيعاتهم.
وتعمل منظمات التجارة العادلة، بتشجيع من المستهلك، على دعم المنتجين، ونشر الوعي حول هذا الموضوع، إضافة إلى تنظيم حملات لتغيير القوانين والممارسات المتبعة في التجارة العالمية التقليدية.



فرانسيس غاي تخرق حميتها

خالد الغربي

“الأكل اللبناني أطيب بكثير من مطبخنا الغربي والإنكليزي تحديداً، ويفتح الشهية”. هذا الكلام هو لسفيرة بريطانيا في لبنان فرانسيس غاي ضيفة مهرجان “سوق الطيّب” الذي أقيم في مدينة صيدا يوم السبت الفائت تحت عنوان “زهر الليمون”. في الزعترية، أحد بساتين صيدا، اختلطت رائحة الزهور مع رائحة المنتجات الغذائية وظلّلت الأشجار الوارفة بسطات العرض المتنوّعة، حيث شرعت “أم الفلافل” في تحضير الفلافل اللبنانية الصحية، فيما خرج ماء الزهر من “الكركة” مباشرة إلى “زجاجات العرض”، ليضاف إلى منتجات بلدية أخرى كشراب الرمان وماء الورد والتوت. أما طريق النحل التي تتقلّب في قفرانها فتقودك إلى عسل بلدي ذي شهد صافٍ وفوائد متعددة. واللبنة البلدية والزيتون وزيته الصافي، والكشك، والتين المجفف والفواكه المجففة، والحلويات المنزلية كلها كانت “حاضرة ناضرة”.
عيتا الشعب حاضرة بصابون الغار الذي تلفت أم علي قاسم إلى فوائده “التي لا يمكن أن يضاهيها أي صابون عالمي، فهو مفيد للعصبي ولتقوية الشعر، وهو مشروع نعتبره مقاومة إنتاجية تكمل به عيتا مقاومتها للمحتل”. سفيرة بريطانيا فرانسيس غاي لم توفر أي منتج إلا وتذوقته وبشراهة، خارقةً بذلك نظامها الغذائي على حد قول زوجها، فأعجبها العسل والتين المجفف والصعتر وماء الزهر فأكثرت من شرائهم. لكن “التبولة” و“الفتّوش” يبقيان أحب شيء إلى قلبها كما قالت بالعربية.
تهدف فكرة سوق الطيب الى الجمع بين السياحة والزراعة عبر الإضاءة على الإنتاج المناطقي، وتعزيز التقاليد الغذائية التي عادة ما تكون وليدة عمل يدوي عائلي. وكان قد تخلّلها عرض لفيلم “همدره” لنادين توما وسيفسن عريس، عن الأكل اللبناني والمرطبات الطبيعية وأهمية الإنتاج الغذائي والعودة الى الجذور والطبيعة لما في ذلك فوائد. وشهدت “سوق الطيب” مسابقة أفضل طبق جنوبي، وأفضل طبق مالح وأفضل طبق حلو، ومسابقة إبداعية عن أفضل اختراع لطبق.




قوانين التجارة الحرّة

“اتفاقات التجارة الحرّة ليست مُناسبة للبلدان النامية... فهي فَرضٌ أكثر منه تفاوضاً”، يقول جوزف ستيغليتز، أحد الفائزين بجائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2001. وتشير دراسة أعدّتها “أوكسفام” تحت عنوان “التوقيع على ارتهان المستقبل”، إلى أن حوالى 25 بلداً نامياً قد وقّعت على اتفاقات التجارة الحرّة مع بلدان “العالم الأول”، فيما يخوض أكثر من 100 دولة مفاوضات لعقد اتفاقات. وتُبرم معاهدات الاستثمار الثنائية بمعدل معاهدتين في الأسبوع، ولم يُستثنَ أي بلد تقريباً مهما كان فقيراً.
وتضيف الدراسة أن البلدان الغنية تستعمل “اتفاقات التجارة الحرّة” الثنائية والإقليمية ومعاهدات الاستثمار للفوز بتنازلات تعجز عن الحصول عليها في منظمة التجارة العالمية.
ويمكن هذه الاتفاقات أن تفرض تحريراً جذرياً للرسوم الجمركية، مهددةً بذلك سبل عيش صغار المزارعين ومانعةً الحكومة من استعمال سياسة التعريفات لتعزيز الصناعة. وتؤدي هذه التغييرات إلى تعطيل الإدارة الاقتصادية السليمة تدريجاً ونقل السلطة من الحكومات إلى الشركات المتعددة الجنسيات التي تفلت من المساءلة في أغلب الأحيان وتسلب الدول النامية الأدوات التي تحتاج إليها لتطوير اقتصادياتها.