أنطوان سعد
على رغم تمسك طرفي النزاع بمطلبي المحكمة ذات الطابع الدولي وحكومة الاتحاد الوطني، ومحاولة الشق المسيحي من المعارضة إدراج مطلب إقرار قانون جديد للانتخاب على قائمة الحوار والمفاوضات، فإن هاجس الموالاة والمعارضة اليوم بات الاستحقاق الرئاسي المقبل. لذلك يتوقع أن يعود السجال حول النصاب الواجب تأمينه لعقد جلسة الانتخاب بقوة إلى الواجهة بعد انتهاء أعمال القمة العربية المنعقدة في الرياض وتبدد تداعيات الانقسام اللبناني الرسمي خلالها وبعدها.
وكما في كل المسائل الخلافية في لبنان، لا ينظر اللاعبون السياسيون إلى مسألة النصاب القانوني إلا من زاوية الموقع السياسي وخدمة المعركة التي يخوضها الطرفان. وكان لافتاً لغاية الآن أنه حتى في تفسير الدستور لم يشذ طرف في الموالاة أو في المعارضة عن إجماع الفريق الذي ينتمي إليه.
وفي استرجاع لعمليات انتخاب رؤساء الجمهورية منذ سنة 1952، يظهر للمراقب أمران مهمان: الأول أن أحداً من رؤساء المجلس النيابي المتعاقبين أو من الكتل النيابية قبل حرب 1975 لم يحاول عرقلة جلسة الانتخاب ومنع حصول نصاب عندما كان رئيس الجمهورية العتيد لا يوافقه. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مجلس 1952 الموالي بغالبيته للرئيس بشارة الخوري قبل بانتخاب خصمه اللدود كميل شمعون، وإلى أن مجلس 1958 انتخب قائد الجيش فؤاد شهاب على رغم أن الرئيس شمعون كان شديد الاستياء من هذا الأخير ويتمتع بنفوذ كبير في هذا المجلس الذي كان على استعداد لتعديل الدستور من أجل إعادة انتخابه لولاية ثانية. أما الأمر الثاني الواجب تسجيله، وهو على مستوى أكبر من الأهمية، فهو أداء رئيس مجلس النواب الأسبق كامل الأسعد عند استحقاقي الانتخابات الرئاسية سنتي 1976 و1982. إذ إنه أصر في المرتين على ضرورة تأمين الثلثين لعقد جلسة الانتخاب على رغم أنه كان مؤيداً لوصول الرئيس الياس سركيس إلى رئاسة الجمهورية سنة 1976 والرئيس بشير الجميل سنة 1982.
عند هذين الاستحقاقين، يؤكد من أدّى دوراً بارزاً خلالهما أن الرئيس الأسعد، بالاستناد إلى دراسة طلبها من الحقوقي الفرنسي الكبير جورج فيدال وإلى استشارة لجنة الإدارة والعدل النيابية، أظهر تمسكاً لا يلين بضرورة حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب بعدما جرى الاتفاق على احتساب الثلثين من الأعضاء الأحياء. وإزاء هذا التصلب، وجدت الأطراف المهتمة بانتخاب حاكم مصرف لبنان الياس سركيس ومن ثم قائد «القوات اللبنانية» بشير الجميل نفسها مضطرة إلى اعتماد كل الوسائل لتأمين النصاب المطلوب.
والجدير بالذكر أن توافر النصاب في المرتين لم يكن سهلاً واستوجب اللجوء إلى أساليب الترغيب والترهيب والضغط من الأنواع كلها. فالرئيس شمعون لم ينتقل إلى قصر منصور سنة 1976 إلا بعدما أمنت له شروطه السياسية وغير السياسية التي لا يزال يذكرها من كانوا مجتمعين لديه صبيحة يوم الانتخاب عندما حضر إلى منزله النائب ميشال المر. وارتبطت شروطه السياسية آنذاك بضمانات من سركيس حول ترشيحات نيابية معينة إذا تمت الانتخابات التشريعية في السنة نفسها أو في السنة التي كانت ستليها. جرى الاتصال أيضاً بالنواب المقيمين في المنطقة الغربية لإقناعهم بحضور الجلسة مع تعهد بتأمين سلامتهم وبالتعويض عليهم إذا جرى استهداف منازلهم ومكاتبهم فيما لو نفذت الحركة الوطنية تهديداتها ضدهم إن هم حضروا جلسة الانتخاب. ولا يزال من كانوا نواباً في حينه، وفي مقدمهم رئيس رابطة النواب السابقين شفيق بدر، يذكرون إطلاق النار والمطاردات التي تعرضوا لها في شوارع بيروت هرباً ممن يحاولون إقناعهم أو ثنيهم عن التوجه الى قصر منصور.
وفي سنة 1982، لم يكن الوضع مختلفاً، وتذكر بعض الأوساط التي كانت قريبة من الرئيس بشير الجميل أن أحد معاونيه طرح فكرة خفض النصاب عبر تصفية بعض النواب المقيمين في المنطقة الغربية. وفي المرتين، أبى الرئيس الأسعد فتح الجلسة إلى أن حضر الثلثان المطلوبان. وسنة 1976، تجاوز الانتظار حد النصف ساعة الذي كان النواب يرونه كافياً للتأكد من أن النصاب غير متوافر.
«قضية تأمين الثلثين ضرورية»، بحسب النائب السابق بدر، والنائب السابق إدمون رزق يشاطره الرأي من حيث المبدأ لكنه يستدرك قائلاً إن «الضرورات تبيح المحظورات». ويستعرض الأخير المآسي التي حلت بلبنان بعد الفراغ الرئاسي سنة 1988، ويحمل مسؤوليته للقيادات المسيحية التي كانت نافذة آنذاك، ويرى أن تعطيل جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضرب من الخيانة.