إبراهيم عوض
أظهرت جلسات الحوار التي عُقدت بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري أن الأخير حاول أكثر من مرة معرفة الملاحظات والتحفّظات التي لدى قوى المعارضة على مشروع المحكمة الدولية من دون أن يوفّق في ذلك، إذ كان بري يربط مسألة البوح بها بإنشاء لجان متخصصة من الفريقين لدرسها والتفاهم في شأنها.
ويعمد أقطاب من قوى 14 آذار عبر التصريحات التي يدلون بها والمقابلات الصحافية والتلفزيونية التي تُجرى معهم إلى «تحريض» المعارضة للكشف عن مآخذها على المشروع من دون أن يحصلوا على جواب، ويتخذون من هذا «الكتمان» حجّة لإظهار أن خصومهم لا يريدون المحكمة ويعملون على تعطيلها.
ويذكر في هذا الإطار أن الرئيس فؤاد السنيورة يكرر عدم معرفته بأسباب شكوى المعارضة من المشروع، حتى إنه سأل أعضاء مجلس نقابة محرري الصحافة حين التقاهم قبل أكثر من شهرين برئاسة النقيب ملحم كرم ما إذا كان أحدهم قد تلقّى ملاحظة أو سمع رأياً في المشروع من فريق 8 آذار.
إلا أن الأوساط السياسية المتابعة تبدي استغرابها من ادّعاء الأكثرية عدم علمها بما في جعبة المعارضة حول المشروع، وتسأل إذا كان الأمر كذلك، فعلامَ يصرخ رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط رافضاً إفراغ المحكمة من مضمونها ومهدّداً بإقرارها تحت الفصل السابع بعدما أبدى قبل أشهر تفهّماً لبحث البند الوارد فيها والمتعلق بالرئيس والمرؤوس، ولماذا عمد عضو اللقاء الوزير مروان حمادة في حديث إذاعي السبت الماضي إلى إثارة ما سمّاه «الشروط الجديدة للمعارضة المتعلقة بالرئيس والمرؤوس والترابط بين الجرائم»، وزاد عليهما ما نشر في صحيفة كويتية قبل أيام عن «وجود اتجاه لدى المعارضة لإلغاء الأكثرية الدولية من القضاة في المحكمة ذات الطابع الدولي وإعطائها إلى القضاة اللبنانيين»، ليتبيّن بعد ذلك أن معدّ الخبر المنشور قطب من فريق الأكثرية.
وتلفت الأوساط المذكورة إلى أنه سبق لرئاسة الجمهورية أن نشرت مطالعة مطوّلة عن مشروع المحكمة أعدّها فريق قانوني متخصّص، وكانت موضع تهكّم يومئذ من جانب قادة في الأكثرية انتقدوا كبرها. إلا أن قراءة متأنّية لها أظهرت أن ما جاء فيها لا يختلف عن دراسات وأبحاث أعدّها قضاة ومحامون حاليون وسابقون نُشر بعضها في الصحف ودلّل على «مواقع الخطر» والثغرات والمخالفات الدستورية والقانونية الواردة في مسوّدة المشروع، التي ستمثّل على ما يبدو الأساس لمداخلة فريق المعارضة حين يحين أوان مناقشتها، حرصاً على عدم تعريضها لـ«البازار السياسي» وجعلها كقصة «إبريق الزيت» كما قال الرئيس عمر كرامي لـ«الأخبار»، مشدداً على ضرورة ترك مسألة بحث مشروع المحكمة للجان المتخصصة. وأمام عشرات الدراسات الخاصة بالمحكمة ذات الطابع الدولي، توقف رئيس الحكومة السابق سليم الحص عند واحدة تلقاها من وزير العدل الأردني السابق البروفسور محمد الحموري الحائز دكتوراه في القانون من جامعة كمبردج، وقال إنه استعان بها خلال لقائه الشهر الماضي مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في الرياض الذي استمع منه إلى شرحٍ لعدد من النقاط الواردة في المشروع التي ينبغي التوقف عندها ومناقشتها، ومنها:
ــ عدم اعترافه بأي عفو أصدرته الدولة اللبنانية عن أي شخص وفقاً لدستورها، ومنع الحكومة أيضاً من إصدار أي عفو عام خلافاً لما جاء في الدستور.
ــ إعطاء الحق للمدّعي العام (قاضٍ دولي) باعتقال وتوقيف أي شخص ونقله إلى مكان المحكمة. وإذا لم يُسلّم هذا الشخص من جانب دولته يُبلَّّغ من طريق النشر ليُحاكَم بعد ذلك غيابياً ويصدر الحكم عليه ويُطلب من الإنتربول القبض عليه أينما كان.
ــ الفرض على السلطة القضائية اللبنانية التنازل للمحكمة عن اختصاصها في أي قضية منظورة أمامها فور تسلّم هذه السلطة طبعاً من المحكمة المذكورة مع ما يعني ذلك من مخالفة واضحة للمادة 20 من الدستور اللبناني.
ــ إمكان تجريم الرئيس (أي رئيس) سواء كان رئيس دولة أو رئيس حزب أو رئيس تنظيم أو تجمعاً سياسياً أو حتى رئيس تحرير بسبب أي فعل جرمي اقترفه أي من مرؤوسيهم.
وتحمل دراسة حموري التي تقع في 13 صفحة فولسكاب ملاحظات عدة على مشروع المحكمة، وتتضمن معلومات على جانب من الأهمية، منها ذكرها «أن الصحافة الأميركية اتّهمت نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني والاستخبارات الإسرائيلية بالوقوف وراء اغتيال الوزير بيار الجميل»، وإشارتها إلى أن «رئيسة الدائرة القانونية في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة يهودية متعصّبة تحمل درجة الدكتوراه من جامعة تل أبيب وهي مكلّفة درس الشروط الأساسية في تعيين القضاة والمدّعي العام الذين ستتألف منهم المحكمة».
وتتخذ هذه الدراسة أهمية خاصة لكونها صادرة عن شخصية عربية محايدة لا علاقة لها بالتالي بـ14 آذار ولا بـ8 آذار.