لولا التسوية التي حصلت في آخر لحظة خلال الاجتماع الذي حصل بين رئيس الجمهورية إميل لحود ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، بحضور السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة والوزيرين فوزي صلوخ ويعقوب الصراف، لكان الرئيس لحود مصمماً على «بقّ البحصة» وكشف تفاصيل المشكلة المتعلقة بالوضع الحكومي وملابسات حرب تموز، الأمر الذي عجّل بأخذ بعض التعديلات التي طلبها رئيس الجمهورية على ورقة الرئيس فؤاد السنيورة، قبل انعقاد الجلسة العلنية للقمة العربية.وكشفت مصادر الوفد الرسمي اللبناني أن الوفد كان قد بدأ يشعر بوجود «شيء ما» يحضّر ضده منذ دعوة السنيورة إلى الرياض بصفته رئيس حكومة لبنان، ثم بطرح مشروع النقاط السبع الذي كان قد قدّمه إلى مؤتمر روما في تموز الماضي وهو يقضي بنزع سلاح المقاومة، كما يعتبر في مقدمته أنه يجب حل الخلافات مع إسرائيل. ثم جاء تأخير طائرة الرئيس لحود والوفد الذي يرافقه إلى الرياض لكي لا يلقى استقبالاً من الملك عبد الله بن عبد العزيز على غرار رؤساء الدول الأخرى، ثم علم الوفد بأن الرئيس السنيورة يقيم في الطبقة الثانية تحت الطبقة الثالثة التي يقيم فيها لحود والوفد المرافق من الفندق نفسه.
وفسرت المصادر كل هذه الأمور بأنها بمثابة رسائل موجهة إلى الوفد الرسمي بأن المملكة تتعامل مع الملف اللبناني بحيادية وتقف على مسافة واحدة من الرئيسين لحود والسنيورة.
لكن رغم ذلك، أصرّ لحود على ملاحظاته على ورقة السنيورة. وقال بوضوح لزواره: إنه لا يهمّ الشكل، لكن في النهاية لن يمر حل يرفضه اللبنانيون، مؤكداً عزمه على الاعتراض في الجلسة المغلقة على هذه الورقة إذا لم يتم تعديلها، ما سيؤدي إلى كسر الإجماع العربي الضروري لاتخاذ القرارات.
وكان الرئيس بشار الأسد قد أرسل ليل الثلاثاء الماضي وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى الرئيس لحود ليؤكد له دعمه في مطالبه، في حين استقبل الملك عبد الله بن عبد العزيز الرئيس فؤاد السنيورة في ساعة متأخرة من الليلة ذاتها.
وفي هذه الأجواء المضطربة، عقد الاجتماع بين الوفد اللبناني والأمير الفيصل وموسى قبل ظهر أمس في جناح الرئيس لحود واستمر حوالى 50 دقيقة، انتهى إلى إدخال تعديلات على الورقة اللبنانية أخذت بمجمل ملاحظات الرئيس لحود، إذ أضيف إلى البند المتعلق بالمحكمة ذات الطابع الدولي عبارة: تقرّ المحكمة بإجماع كل اللبنانيين. كما عدل البند المتعلق بدعم الحكومة اللبنانية الذي أصبح «دعم لبنان». أما بشأن النقاط السبع فبعد أن كان النص يقول «تتبنى القمة العربية هذه النقاط»، أصبح «ترحّب القمة العربية بالنقاط السبع»، وهذه النقطة كانت مفصلية بالنسبة للحود الذي كان مستعداً لإبراز الوثائق التي تثبت أن الحكومة اللبنانية لم توافق على هذه البنود، بل اكتفت بأخذ العلم بها بعد جلسة عاصفة لمجلس الوزراء كادت تفجر الوضع الحكومي أثناء حرب تموز بعدما أصر السنيورة على حمل المشروع الى مؤتمر روما.
وقالت المصادر: «إن السؤال المطروح هو لماذا يريد الرئيس السنيورة طرح النقاط السبع على القمة بعد صدور القرار 1701 الذي وافق عليه الجميع، وهل هذه جائزة ترضية لإسرائيل تعويضاً عن خسارتها الحرب على لبنان، علماً بأن مؤتمر روما لم يعتمدها؟! ولماذا يصرّ السنيورة على تبنّيها في القمة العربية وخصوصاً أنها تلحظ في فقرتها الرابعة تسليم سلاح المقاومة؟!
وأضافت المصادر: إن الرئيس السنيورة بعدما فشل في قمة الخرطوم بشطب المقاومة من قرارات القمة العربية، وهذا الأمر هو من ثوابت الموقف العربي الداعم للمقاومة، حاول في قمة الرياض التحايل وبتوجّه مشبوه من قوى السلطة وبتعليمات أميركية وفرنسية، أخذ غطاء عربي لنزع سلاح المقاومة تمهيداً لغطاء دولي ربما يتبلور في قرار صريح عن مجلس الأمن بهذا الخصوص، مع الإشارة الى أن مقدمة النقاط السبع تشير الى تسوية الأمور العالقة بين لبنان وإسرائيل من مزارع شبعا الى الأسرى وهذا يعني تفاوضاً مباشراً مع تل أبيب وصولاً الى توقيع اتفاق منفرد بين لبنان وإسرائيل يكون شبيهاً باتفاق السابع عشر من أيار».
من جهة أخرى، طغت أمس مسألة عقد اجتماع بين الرئيسين الأسد والسنيورة، بطلب سعودي. وفي حين رحبت أوساط السنيورة بفكرة اللقاء معتبرة إياه نقطة تسجل لمصلحته، اعتبرت أوساط لحود أنه لم يكن هذا الاحتمال وارداً لولا ضوء أخضر أميركي وهو يعني إعادة الاعتبار لسوريا ولدورها في المنطقة.
من جهة أخرى، شارك الرئيس لحود في الجلسة الافتتاحية للقمة التي عقدت في مركز الملك عبد العزيز آل سعود في الرياض الذي وصله الرئيس لحود في الثانية عشرة والنصف ظهراً، حيث كان في استقباله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وعانقه بحرارة. وأكد الملك السعودي حرص المملكة العربية السعودية على وحدة لبنان وتضامن شعبه، مؤكداً أنها ستواصل العمل من أجل تحقيق هذه الغاية.
وأكد الملك السعودي «أن المملكة تتطلع إلى رؤية لبنان وقد استعاد عافيته وتجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها»، معتبراً «أن التوافق اللبناني على كل القضايا المطروحة هو الأساس». وشكر الرئيس لحود الملك عبد الله، مؤكداً أنه سيعمل بكل ما أوتي من قوة ليظل لبنان قوياً معافى وموحداً، فردّ الملك بأن مواقف الرئيس لحود وحكمته كفيلة بإخراج البلاد من أزمتها الراهنة.
وانضم إلى لحود في الجلسة عضوا الوفد الرسمي الوزيران فوزي صلوخ ويعقوب الصراف.
وعلى هامش القمة، كانت للرئيس لحود سلسلة لقاءات مع عدد من رؤساء الوفود، فالتقى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ووزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي الذي نقل إليه رسالة من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أكد فيها وقوف إيران إلى جانب لبنان في مواجهته المستمرة للمؤامرات التي تستهدف وحدته وسلامة أراضيه. وحمّل لحود الوزير متكي رسالة شفهية إلى الرئيس نجاد شكره فيها على دعمه للبنان والمساعدات التي قدمتها إيران خلال العدوان الإسرائيلي. وجدد الوزير متكي الدعوة إلى الرئيس لحود للقيام بزيارة رسمية إلى إيران.
ثم التقى لحود الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في قاعة جانبية من مركز المؤتمرات، وأجريا جولة أفق تناولت مختلف المواضيع، حيث أكد رئيس الجمهورية للأمين العام «ما يتميّز به لبنان من ديموقراطية توافقية تفترض مشاركة جميع مكونات المجتمع اللبناني في القضايا الأساسية»، وشرح موقفه من عدم شرعية وعدم دستورية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، منطلقاً من مقدمة الدستور التي تؤكد أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. وقال لحود إنه دعا إلى معالجة الوضع الحكومي بسرعة منعاً لاستمراره على هذا النحو، لافتاً إلى أن الحوار يجب أن يستمر بين القيادات اللبنانية على قاعدة الوصول إلى حلول يرضى بها الجميع، وتشكّل توافقاً وطنياً يعزز وحدة لبنان ويمنع أي خلل في التركيبة اللبنانية الفريدة. وجدد تمسكه بضرورة إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي، داعياً إلى عدم الإفساح في المجال أمام استعمال المحكمة لأسباب سياسية يمكن أن تحدث انعكاسات سلبية على وحدة لبنان وشعبه.
ورداً على استيضاح من الأمين العام حول موضوع دخول أسلحة إلى لبنان، أكد لحود أن الجيش اللبناني اتخذ إجراءات على طول الحدود البرية، وأن المراقبة البحرية تتولاها القوات الدولية، داعياً إلى التدقيق في مثل هذه الأنباء والتسريبات من خلال الاطّلاع على ما تصوره الأقمار الصناعية الموجهة نحو لبنان. وأكد تمسك لبنان بتنفيذ القرار 1701، داعياً إلى ضرورة العمل للانتقال من مرحلة وقف الأعمال العدائية إلى مرحلة وقف إطلاق النار، منوهاً بعمل القوات الدولية في الجنوب، وبالتعاون الدائم بينها وبين الجيش اللبناني.
من جهته، أبلغ بان الرئيس لحود أنه سيزور لبنان ابتداءً من اليوم ليستكمل اتصالاته وزيارة القوات الدولية، مؤكداً «أهمية الدور الذي يلعبه الرئيس لحود في تعزيز الحوار الوطني وفي التعاون لتطبيق القرار 1701 وإنشاء المحكمة الدولية وعمل لجنة التحقيق الدولية التي تلقى من الجانب اللبناني كل دعم ومساعدة». واعتبر «أن اهتمام الأمم المتحدة بلبنان يشكل منعطفاً مهماً في تاريخ العلاقات بين لبنان والمنظمة الدولية».
وشارك لحود والوفد الرسمي المرافق في الاجتماع المغلق للقمة الذي انعقد مساءً، ثم لبى دعوة الملك عبد الله إلى العشاء الرسمي الذي أقامه على شرف رؤساء الوفود.
(الأخبار)