strong>راجانا حميّة
«عالطبيعة» كما اعتادوا، افترش طلّاب قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة ــــــ الفرع الأوّل، الأرض مسرحاً لخيالهم في غياب «الخشبة المتينة». حاول طلّاب «الممكن» تجسيد معاناتهم مع «مصاطبهم» وهموم بلدهم بأدواتهم الخفيفة التي لا تتعدّى حركات الجسد. نسف «الممثّلون» المرح والكوميديا من أعمال اليوم الثاني من مهرجان «اليوم العالمي للمسرح»، فاستسلموا للواقعية في وصف الحالة الراهنة.
ففي ظل السبات العميق الذي يشهده المسرح اللبناني، آثر طلّاب السنة الثالثة باحة المعهد الخارجيّة، رغم قساوتها، على «تجهيزات القاعة التي تشبه المسرح في مجمّع الجامعة». ولم يكتف الطلّاب بقساوة «الخشبة» الجديدة، فاختاروا مشهداً يناسب الأولى «قساوة وألماً»، ويشبه «لبنان بضياعه والعراق وفلسطين ببشاعة الموت فيهما». شَبَه ترجمه الطلّاب بتفاصيله في عملهم الأوّل «الكورنيش»، فاقتبسوا يوماً من حياة اللبناني، المواطن والحاكم، وما يضاف إليه من «مؤثّرات خارجية».
في «الكورنيش»، ينتمي كل طالب إلى «هويّة»، فهناك من يتكلّم باسم «الفلسطيني المناضل... العراقي المفجوع... واللبناني المجنون»، و«السياسي... والحاكم»، «المخابرات»، «المتسكّع»، «محبّ الحياة»، و«العدو»، وأيضاً «بائعة الوهم ــــــ السلام».
نال «الوهم» الجزء الأكبر من العمل المسرحي، وتركّز الحوار بين ثلاث شخصيّات أساسيّة، الطالبان علي يونس (المجنون) وهاني الخطيب (السياسي المتخاذل) والطالبة زهراء مزهر (البصّارة التي تبيع الوهم)، تساندهم مجموعة من الطلّاب الذين «يمثّلون الشعب بانقساماته». علي، الإنسان «العبثي» الذي جُنّ «من كثرة الموت وقلّة الحياء». تقمّص شخصيّة «المجنون الثائر» على العادات الجديدة والحكّام العرب وعلاقتهم بـ«دولة الحواجز»، يواجهه هاني في دور «العربي المتواطئ مع العدو على حساب كرامة شعبه»، وزهراء، بائعة الوهم التي أخطأت «هذه المرّة في معرفة بخت لبنان، مادري شو بيصير، بس أكيد ما تنفعو التدخلات الخارجية وما بيصلح إلاّ بوحدة شعبه»، وأسدل ستار «الكورنيش» على «استسلام الكل بمن فيهم المجنون والبائعة لرغبات الحاكم والقرارات الخارجيّة».
وفي عرضٍ آخر، اقتبس الطلّاب (يونس والخطيب وبسّام أبو دياب ورشا أبو حمزة) أجزاءً من الرواية الهنديّة «الرميانا» لوصف حالتي الطمع والمصلحة الشخصيّة. واعتمد الطلّاب على عنصر «الصمت» وإيصال الفكرة من خلال التعبير الجسدي والموسيقى الخفيفة. وقد ترك «الممثّلون»، من خلال «الرميانا» الصامتة، الحرّية لمشاهدي العرض في تفسير الطمع من الناحية التي يرونها مناسبة. واللافت في العرض أنّ المشاهد ينشغل عن الفكرة ليركّز على الحركات الجسدية للطلّاب التي تتنوّع بين الليونة والانسيابية من ناحية والقدرة على «افتعال» الحماسة والتشويق من ناحية ثانية.