عمر نشابة
صدر حكم قضائي في مطلع هذا الشهر أدان معاوناً في الشرطة القضائية لتعذيبه عاملاً مصرياً خلال التحقيق معه. ولا شكّ في أن التعامل بشدّة واستخدام العنف خلال التحقيق مع موقوفين لا يقتصر على عناصر قوى الأمن الداخلي، بل يؤكّد عدد كبير من الموقوفين السابقين تعرّضهم لمختلف أشكال التعذيب في أماكن توقيف تابعة للأجهزة الأمنية الرسمية الأخرى.
ولا فائدة من التذكير بأن القانون يجرّم التعذيب... فعناصر الأجهزة الأمنية يعلمون ذلك جيداً، لكن المشكلة تكمن في أنهم يعلمون أيضاً أن المجتمع يغضّ النظر عن تعذيب «المجرمين». لا بل إن نظام القيم السائد في عدد من الأوساط الاجتماعية اللبنانية يشجّع على تعذيب أشخاص ثبت قيامهم بجرائم «فظيعة» كالقتل الجماعي أو اغتصاب الأطفال أو (للسخرية) تعذيب أبرياء خلال التحقيق... وهل «البراءة» هي التي تحمي من التعذيب بينما يعتبر المجتمع «الذنب» ترخيصاً له؟
لا فائدة من التذكير بأن السلطة الوحيدة التي يحقّ لها قانونياً تحديد «الذنب» و«تجريم» المشتبه بهم هي المحكمة، إذ يبدو أن «الحكومة» في لبنان قرّرت تحديد المجرمين في مؤتمر صحافي (جريمة عين علق)، بينما يبذل جهد كبير لدفع الناس إلى تناسي قرينة البراءة في قضايا لم تُحَلْ بعد إلى المحكمة. قد يشرّع ذلك التعذيب شعبوياً ويشرع الأبواب للمزيد من العنف والإكراه خلال التحقيقات والاستنطاقات.
وبما أن جزءاً كبيراً من المجتمع يرى أن كلّ شخص «مذنب» يستحقّ التعذيب بينما يدان من يعذّب «الأبرياء»، ينبغي على العناصر الأمنية أن تقوم بـ«جهد خاص» للتوصل إلى تجريم ضحايا التعذيب... أو يؤخَّر إطلاق سراح الموقوفين الأبرياء لتتسنّى معالجة آثار التعذيب. ويضاف الى ذلك «مخرج» آخر هو عدم كفاءة العديد من الأطباء الشرعيين وعدم تمكّنهم طبّياً من تحديد آثار التعذيب بعد المعالجة.