رشا أبو زكي
تراوح فاتورة الدواء بين 25 في المئة إلى 40 في المئة من كلفة الفاتورة الصحية في لبنان التي تبلغ زهاء ملياري دولار أميركي. وطبعاً المواطن هو ضحية هذه الأرقام، إذ يلفت تقرير لجنة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية في 2001، إلى أن الأسر تتحمل 69,2 في المئة من الفاتورة الإجمالية للدواء

يعتبر أداء بعض الأطباء والصيادلة والمستوردين، مشكلة حقيقية بالنسبة إلى ارتفاع الفاتورة الصحية. وفيما يتكلم البعض عن مافيات تحكم القطاعات، يقر البعض الآخر بمخالفات ومشكلات ترفع سعر الدواء، وبالتالي الفاتورة الصحية. وإن كان ملف الدواء الذي سلمه النائب إسماعيل سكرية إلى القضاء في 2 ايار 1999، قد سرق من قصر العدل في 27 أيار من العام نفسه، واختفى من حينه، فإن الفساد الذي ينهش القطاع الصحي أصبح في طور العلانية. إذ تبدأ الحلقة بارتفاع عدد الصيدليات الذي يستدعي رفع سعر الدواء لتعويض انخفاض الطلب، مروراً باحتكار بعض المستوردين سوق الدواء، وضعف الرقابة لدى الجهات المعنية، وانزلاق بعض المراقبين إلى حلقة الفساد والرشوة، وصولاً إلى تواطؤ بعض الأطباء مع شركات الأدوية... والنتيجة تسويق أدوية مرتفعة الثمن ورفع الفاتورة الصحية أضعافاً... فمن المسؤول؟

جهل... ومافيات

يرى وزير الصحة المستقيل محمد جواد خليفة أن «عدم وعي المواطن أبرز أسباب ارتفاع الفاتورة الدوائية. فهو لا يحبذ استخدام أدوية الجنريك المعتمدة بكثرة في كل دول العالم، لذلك يدفع فاتورة كبيرة. كما أنه يستهلك أدوية من دون استشارة الأطباء». ويشير إلى أن «اللبناني لا يهتم بصحته، فرغم مطالبة الوزارة الأهالي بتلقيح أطفالهم مجاناً، نرى التجاوب ضئيلاً. وقد دخل الجيش في عدد من المناطق النائية إلى المنازل لتلقيح الأطفال».
ويتحدث النائب إسماعيل سكرية عن «وجود مافيات كبرى تتحكم في سوق الدواء. ويلفت إلى تسرب كميات من أدوية الهبات المجانية المنتهية الصلاحية إلى سوق الدواء، في غياب الرقابة. وإلى تورط 4 شركات وبضعة مستشفيات غير أكاديمية، وإداريين في وزارة الصحة، في الفضيحة المتعلقة باستعمال أدوية بنج وعلاج كيميائي بعضها منتهي الصلاحية، وبعضها الآخر مجرد مياه. ويقول إنه لن يفصح عن الأسماء خوفاً على حياته»، مذكّراً بأنه قدم ملف الدواء إلى القضاء «في 2 أيار 1999، وفي 27 أيار اقتحموا قصر العدل وسرقوا ملف التحقيق الذي طاول مستشفيات وشركات دواء وسياسيين». ويلفت إلى أن «أحد تقارير التفتيش أشار إلى وجود أدوية إنجاب مقدمة هبة إلى دار العجزة الإسلامية. وفي أحد المستوصفات كميات من الإنسولين الفاسد».
ويلفت إلى وجود «ما يسمى توقيع الوزير، فالأخير يسمح بإدخال بعض الأدوية هبات إلى جمعيات طائفية وأخرى تابعة إلى أحزاب سياسية. ومعظم هذه الأدوية تكون إما «ستوك» أو شارفت أهليتها على نهايتها، وعندها يبدأ التلاعب». ويشبّه السياسة الدوائية «بمزرعة الطوائف والمحاصص، كما أن نظامنا الاستهلاكي انعكس على القطاع الصحي». ويؤكد سكرية «تقرير لجنة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية عن القطاع الصحي 2001» ما قاله عن دخول نحو ألف صنف من الأدوية إلى لبنان، بتوقيع من الوزير، ومن دون رقابة اللجنة الفنية، ويجري التلاعب بتاريخ انتهاء صلاحيتها.
وفي الإطار نفسه، رفضت مسؤولة في مستشفى الحياة في اتصال معها، أن تفصح عن تفاصيل تتعلق بتوقيف صاحب المستشفى الدكتور أنطوان صابر، في موضوع بيع أدوية مغشوشة واستعمالها.

بعض الأطباء في دوامة الفساد

يقول نقيب الأطباء ماريو عون إن «الفاتورة الدوائية تشكل 30 إلى 40 في المئة من الفاتورة الصحية، فيما تشكل الفاتورة الطبية بين 29 إلى 25 في المئة، في حال حصول الأطباء على أتعابهم». فيما يشير تقرير «لجنة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية» إلى أن فاتورة الدواء تشكل نحو 25 في المئة من الفاتورة الصحية، أي نحو 500 مليون دولار أميركي من الفاتورة الإجمالية التي تبلغ زهاء ملياري دولار أميركي».
ويقول عون إن «الفاتورة الصحية مرتفعة جداً نسبة إلى موقع لبنان عالمياً في مجال التقديمات الصحية، إذ إن التكاليف مرتفعة نسبة إلى الخدمات المتوافرة». ويرى أن «الخلل موجود في جميع القطاعات الصحية، والأكثر تكلفة هو القطاع الاستشفائي. كما أن الأطباء يسهمون في الخلل، إضافة إلى الفوضى في سوق الدواء».
ويرى عون أن «بعض الأطباء أصبحوا جزءاً من تجارة الطب، وهذا غير مقبول، وتبرير المخالفات بتأخر الصناديق الضامنة عن دفع أتعاب الأطباء في غير موقعه، إذ يوجد نحو 150 إلى 180 شكوى سنوياً من المرضى على الأطباء، ويحال بين 10 في المئة إلى 12 في المئة منها على المجلس التأديبي في النقابة».
ويلفت عون إلى أن «بعض الأطباء ينساقون مع الإغراءات المعروضة، فأحياناً يتذرعون بالضائقة المالية فيطلبون من المريض فحوصات غير لازمة، أو يصرفون أدوية غالية الثمن، وصولاً إلى إجراء عمليات جراحية غير ضرورية».
ويرى أن «الطبيب هو الحلقة الأضعف في الجسم الطبي، حيث يتعرض للتعاطي الفوقي من شركات التأمين والمستشفيات، التي تبسط نفوذها المالي». ويشير إلى مشكلة أخرى تؤدي إلى رفع سعر الدواء وهي «محاربة المستوردين لأدوية الجنريك، إضافة إلى خضوع سوق الدواء لمافيات مخيفة، إذ لا تمر معاملة في وزارة الصحة إلا بالرشوة، وأصبحت الوزارة بلا قيمة، والوزير لا يستطيع ردع أحد، فهو لا حول له ولا قوة». وزير الصحة العامة السابق كرم كرم، يلفت إلى أن «الوزارة كانت تجد صعوبة في إقناع بعض الأطباء بعدم جدوى استخدام أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة في بعض الحالات الطبية، وكان البعض يستخدمها ويدخل في نفق الأنفاق غير المجدي. ولا نعرف إذا كان بعضهم يقوم ببيعها فنحن نعيش في بلد المغريات».
أما سكرية فيقول إن «مروحة الفساد لدى بعض الأطباء واسعة، إذ يتواطأ البعض مع شركات الأدوية، فيكثرون من بيع منتجاتها للمرضى في مقابل نسبة من المبيع للطبيب، إضافة إلى وجود حالات، حيث يطلب بعض الأطباء من المريض تقرير من المختبر، ويتفقون مع المختبر على صياغة التقرير وكتابة النتيجة من دون إجراء أي اختبار طبي لحالة المريض، إضافة إلى التواطؤ مع مركز للتصوير الشعاعي، أوالمستشفى الذي يعمل فيها الطبيب، أو حتى الصيدلية للحصول على نسبة من الأرباح. وتستكمل العملية بتحرير فواتير وهمية أو مضخّمة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو وزارة الصحة لزيادة الأرباح ورفع الفاتورة الصحية».

ماذا عن مستوردي الأدوية؟

يقول سكرية إن «مستورد الدواء هو تاجر يهمه تسيير مصالحه وزيادة أرباحه، يتواطأ مع المصنع لرفع السعر. كما يرشي الإداري في اللجنة الفنية في وزارة الصحة لتسريع مرور الدواء». ويوضح أن «المستوردين الذين يسيطرون على السوق يشغّلون أموالهم في الوزارة، وفي تسويق أدويتهم مع الأطباء». والبرنامج التنموي 2006 ــــــ 2009يؤكد أن «التجار الذين يحتكرون سوق الأدوية يقومون بتسويق شرس للأدوية لرفع معدل الاستهلاك، فيما يبرمون مع بعض الأطباء صفقات خاصة للتسويق». وكشفت معلومات لـ«الأخبار» عن دواء TAXOTERE لمرض السرطان يُباع في لبنان بقيمة 1250 دولاراً أميركياً، فيما يباع في المملكة العربية السعودية بـ 628 دولاراً أميركياً. وأشارت مصادر الى أنه من المفترض أن يكون التزام المصنع تاماً من حيث قرار تسعير الدواء بين 7 بلدان عربية بينها لبنان والسعودية، وقرار التسعير يشير الى أن لا يكون سعر الاستيراد الى لبنان أعلى من سعر الاستيراد الى السعودية. وتشير الى أن المستورد مسؤول كذلك عن هذا الموضوع لكونه وكيل الشركة ومن المفترض به أن يحرص على التزام المصنع التسعيرة. ولفتت الى أن هذا الملف أصبح لدى السلطات والجهات المعنية، على أن يتم التحقيق فيه للوصول الى نتائج توضّح أسباب تفاوت السعر.
يقول رئيس نقابة مستوردي الادوية واصحاب المستودعات ارمان فارس أن «مهنة الاستيراد هي تأمين دواء وفق الاصول بأسعار وفق الاصول». ويلفت الى «أن المختبر المركزي لا يمارس عمله لاسباب امنية كونه قريب من منزل رئيس مجلس النواب نبيه بري في ساقية الجنزير، الى ان يتم نقله الى مكان آخر. ويشير الى أن المراقبة على الأدوية من نوعين، عند التسجيل عبر المختبر المركزي، وثم مرحلة اخذ عينات بشكل دوري لمراقبة الادوية ، وفي الحالتين هناك حالياً استحالة شبه كاملة في القيام بالتحليل المطلوب».
اما في ما يتعلق بزيادة اسعار الدواء عن بلد المنشأ، يقول فارس أن اسس تسعير الادوية التي اعتمدها وزير الصحة الحالي تؤكد على ان يكون سعر الاستيراد ادنى من سعر باب المصنع في بلد المنشأ، وان الزيادة - اذا كان هناك من زيادة - تعود الى الفرق في ما بين مؤشر تحويل سعر باب المصنع الى سعر المبيع من العموم في بلد المنشأ ومؤشر تحويل سعر الاستيراد الى سعر المبيع من العموم في لبنان، ويشمل هذا المؤشر المصاريف التالية: 7 في المئة مصاريف شحن وتأمين، 11 في المئة جمارك ومصاريف تخليص ومصاريف اخرى10 في المئة هامش ربح المستورد، 30 في المئة هامش ربح الصيدلي، وتنخفض هذه الهوامش تدريجـــــــــــــياً مع ارتفاع سعر استيراد الدواء على اربعة شــــــــــطور. ويشير الى أن تقلّبات سعر صرف العملات الاجنبية يؤثر كذلك على اسعار مبيع الدواء المستورد من العــــــموم، وانــــما اثر هذه التقلّبات منضبطة.
ويشير الى ان القدرة على التمويل اساسية ليستطيع المستورد تحمل الديون المتراكمة على المؤسسات الاستشفائية والصيدلانية. كما اوضح فارس ان الاتهام بان المستورد يحصل على اسعار ادنى من الاسعار المسجّلة في وزارة الصحة مستحيل، اذ ان المصنع الدولي يصر على السعر المسجّل ولا يقبل ان يذهب اي فارق في السعر الى المستورد اللبناني».

الصيدليات جزء من الحلقة

من ناحية أخرى يؤثر عدد الصيدليات على ارتفاع الفاتورة الصحية. فقد ارتفع هذا العدد 59 في المئة بين 1995 و1998 وسجل الشمال ازدياداً بواقع 93 في المئة. ويشير رئيس نقابة الصيادلة صالح دبيبو إلى 4000 صيدلي منتسب إلى النقابة، في حين أن عدد الصيدليات 1800. ويرى البرنامج التنموي 2006ــــــ 2009 أن عدد الصيدليات المرتفع يؤثر على انخفاض عدد الزبائن، ما يدفع بعضها إلى رفع الأسعار لتعويض انخفاض الطلب. ويرى البرنامج أن التباين بين عدد الصيدليات وعدد الصيادلة يدل على أن بعض الصيادلة يقومون بتأجير تراخيصهم لأصحاب الصيدليات من دون أن يعملوا فيها. أما دبيبو فيشدد على أن «ظاهرة تأجير الرخص الصيدلية انحصرت بعدد قليل من الصيدليات، وأن الفائض في الصيادلة يعمل في شركات تقدم خدمات طبية». ويرى دبيبو أن «الصيادلة غير مسؤولين عن ارتفاع الفاتورة الصحية أو الدوائية»، ويقول إن «الفاتورة الدوائية غير مرتفعة أصلاً، إذ يوجد قيود على الاستيراد ومراقبة دورية للصيدليات». ويشير إلى أن «غالبية المخالفات تتعلق بفواتير وهمية أو بيع أدوية مهربة، أو إعطاء أدوية من دون استشارة الطبيب». ويشدد على أن «هذه المخالفات محدودة النطاق».




رحلات

«كثرت في السنوات الأخيرة المؤتمرات الطبية والسياحية للأطباء، والظريف أن الرحلات هذه تشمل عائلة الطبيب». ويؤكد النائب إسماعيل سكرية أن «بعض الأطباء يحصلون من شركات الأدوية على هدايا ثمينة مثل سيارة أو أثاث منزلي، إذ إن الشركات تستغل قوتــها المالية لزيادة الأرباح وتطويع الجهاز الطبي.
كما أن الصيدليات أصبحت تتطاحن على بيع الأدوية التي تشملها عروض مغرية».