أنطوان سعد
ما لا شك فيه أن شبح الفراغ الرئاسي والسيناريوهات المتوقعة والتداعيات المنتظرة، تخيف الجميع. إذ إن تجربة فراغ سدة الرئاسة الأولى عام 1988، بكل المآسي التي نتجت منها، لا تزال ماثلة أمام أعين اللاعبين السياسيين كافة. وقد يضع المراقب كل التصعيد في المواقف حيال مسألة تعطيل نصاب الثلثين أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون الحاجة إلى الثلثين، في خانة التهويل، كيلا تجد المعارضة نفسها خارج دائرة التأثير في قضية اختيار الرئيس المقبل، أو كي تتجنّب الموالاة ما تعتبره ابتزازاً من المعارضة تحت شعار «نختار الرئيس أو نعطّل الجلسة».
بيد أن الطابع الحاد الذي ترتديه الأزمة، والشكل غير المسبوق الذي جرت إدارتها به، يجعلان الرأي العام يقلق من مضي أطراف النزاع إلى نقطة اللارجوع في خلافهما المستحكم المفتوح. وتضاف إلى مسببات هذا القلق التصريحات النارية التي يطلقها الزعماء السياسيون، والتي تشير، بمجملها، إلى أن الأسوأ لم يحل بلبنان بعد.
ولا بد، في هذا الإطار، من التذكير بأنه لم يمر على لبنان وضع مماثل كانت فيه الحكومة لادستورية، لأنها كانت قائمة أو مستقيلة أو يقاطعها بعض الوزراء. ولم يسبق أن عقد رئيس حكومة جلسة لمجلس الوزراء في غياب وزراء يمثّلون طائفة بأكملها، باستثناء الحكومتين الرباعيتين والحكومة الانتقالية التي ترأسها الجنرال ميشال عون. ولم يحصل أن تمثّل لبنان في محفل دولي واحد وفي جلسة واحدة في شكل يعكس الانقسام الحاصل في بيروت كما حصل في قمتي الخرطوم والرياض.
ولطالما تفاهم أقطاب الحكم، في كل الأزمات، على طريقة لإدارة الأزمة في شكل مسؤول يحاول قدر الإمكان تخفيف أعباء الانقسامات عن كاهل اللبنانيين، ومنع تفاقم المشكلة وبلوغها نقطة اللاعودة. ولكن ما ينبغي التوقف عنده، أيضاً، أن سياسة المداراة وامتصاص النقمات والتنازل عن هيبة الدولة وسيادتها، وعدم الحسم منذ عام 1969 مقابل تأجيل الانفجار أو اتقاءً لحصول قطيعة بين المجموعات الطائفية اللبنانية، قادت البلاد إلى انهيار منظومة الدولة، ومن ثم إلى الحرب عام 1975 والخراب الذي رافقها. أما المفارقة فهي أن المتصلّبين اليوم، والمتمسّكين بمنطق الدولة وهيبتها وسيادتها، هم امتداد للقوى التي تعاطفت مع المقاومة الفلسطينية وساهمت في دكّ أسس جمهورية ما بعد الاستقلال.
وتعتقد الأوساط المراقبة بأن ليس بين الفرقاء اللبنانيين من يجهل أن نصاب الثلثين لعقد جلسة الانتخاب لا مفر منه لمن يريد عملية انتخابية غير قابلة للطعن بشرعيتها. ويذكر الوزير السابق ناجي البستاني عن شقيقه الراحل زاهي، المدير العام السابق للأمن العام الذي كان رئيس الحملة الانتخابية للرئيس الراحل بشير الجميل، قوله إبان الانتخابات الرئاسية عام 1982: «المعركة معركة نصاب». ويؤكد الوزير السابق أن الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية واضحة لجهة ضرورة توفير نصاب الثلثين لأنه «كيف يجوز لجلسة دورتها الأولى تفترض حصول المرشح على الثلثين ولا يكون نصابها الثلثين؟». ويشير إلى أن الفقرة تصبح أوضح إذا ما جرت العودة إلى نص الدستور الموضوع عام 1926، أي قبل التعديل الذي أوجبه إلغاء مجلس الشيوخ، وفيه «ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجموع أصوات الشيوخ والنواب ملتئمين في مجمع نيابي، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي». ويعتبر البستاني أن اتفاق الطائف لم يمسّ قضية الثلثين، لا بل هو منسجم معها أكثر، تعزيزاً لتركيبة لبنان القائمة على التعددية والديموقراطية التوافقية. ويحذّر من أنه «إذا قبلنا بتخطي الثلثين فيمكن أن نصل يوماً إلى انتخاب رئيس للجمهورية بحضور النواب المسلمين ونائب مسيحي واحد قد يكون من الأقليات، أو على العكس بحضور النواب المسيحيين ونائب واحد من الأقليات المسلمة».
وتعتقد شخصية سياسية مخضرمة حيادية في النزاع الحالي، إنما هي أقرب إلى قوى الرابع عشر من آذار من حيث المنطلقات ولكنها غير مرتاحة إلى أسلوب عملها ونهجها وغاياتها، بأن انتخاب رئيس للجمهورية من دون نصاب الثلثين يشير إلى وقوع لبنان حتمياً في الكارثة. بيد أنها ترى أن من غير المفيد إعلان هذا الموقف حتى لا تشعر المعارضة بأن السبل مقفلة في وجه الحكومة. وتستطرد الشخصية مضيفةً: «من يعرف كيف ستكون الأوضاع في الخريف المقبل؟ ربما لا يكون أمامنا سوى هذه الوسيلة لإنقاذ البلاد من الفراغ الرئاسي».