لبنــان يستهــدف بوحدتــه وكيانــه وأمنــه نتيجــة مواجــهته للعــدوان
أكد رئيس الجمهورية إميل لحود «أن المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه نريدها ويريدها معنا اللبنانيون عادلة وغير خاضعة للتسييس والتهويل والابتزاز حتى تؤدي دورها في الكشف عن حقيقة هذه الجريمة النكراء ومعاقبة من وراءها».
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها لحود في الجلسة الختامية لمؤتمر القمة العربية التاسعة في الرياض، أمس، وتطرق فيها الى المشكلات السياسية في لبنان وسبل معالجتها، وأوضح «أن حكومة الوحدة الوطنية نتطلع إليها ومعنا اللبنانيون على أنها الترجمة الطبيعية للشراكة في الوطن الواحد، فلا تفرد ولا استئثار في القرار من أي فئة أو شريحة من اللبنانيين، وخصوصاً في القضايا المصيرية حفاظاً على الديموقراطية التوافقية التي كانت ولا تزال علّة وجود لبنان وضمانة استقرارهوقال: «أنا على يقين بأنكم من خلال دعمكم الأخوي للبنان للخروج من أزمته السياسية الراهنة ستكونون إلى جانب إخوتكم اللبنانيين في الحل الذي لا بد أن يتوصلوا إليه لحماية وحدتهم وإعادة جمع شملهم من خلال التفاهم بين مختلف مكوّنات مجتمعنا السياسي». ولفت إلى «أن المحن التي صهرتنا في الماضي وتصهرنا اليوم أفضت إلى لبنان صلب، وإن هزّته الويلات من حين آلى آخر لكنه لا ينكسر»، مشدداً على «أن لبناننا لم يعد ضعيفاً، بل قويّ بقوة شعبه وبإرادة التعلق بالأرض والصمود فيها وحمايتها».
وتوجّه بالشكر الى «المملكة العربية السعودية وعلى رأسها الملك عبد الله بن عبد العزيز على حسن رعايتها للقضايا العربية المحقّة وسعيها الدائم الى لمّ شمل جميع العرب ليكونوا قوة عدل وحق فاعلة في المنطقة والعالم»، مشيراً الى أن «العالم العربي ما زال يواجه استحقاقات خطرة تزداد حدّتها سنة بعد سنة، فيما تسعى اسرائيل الى إسقاط المبادرة العربية مجدداً عبر محاولاتها الحثيثة بدعم من حلفائها لإفراغ هذه المبادرة من مضمونها، ولا سيما من خلال رفضها بند حق عودة الفلسطينيين الى أرضهم ودعم توطينهم في البلدان التي استضافتهم، وفي مقدّمها لبنان الذي نصّ ميثاقه الوطني ودستوره على أن لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين». أضاف: «ثبت للجميع في السنوات المنصرمة أنه لا بديل لهذه المبادرة المبنية على قرارات الأمم المتحدة من أجل التوصل الى سلام عادل ودائم وشامل في المنطقة وأن الرد الطبيعي من قبلنا على محاولات إسرائيل الخادعة هو التمسك بالمبادرة العربية ككل لا يتجزأ تماماً، كما أقرّتها القمة العربية في بيروت عام 2002»، موضحاً «أن إسقاط حق العودة يعني ضرب القضية الفلسطينية في جذورها وطعن حق الشعب الفلسطيني بالحياة الحرة والكريمة والمستقلة».
ورأى لحود أن لبنان «يستهدف بوحدته وكيانه وأمنه نتيجة مواقفه القومية ومواجهته للعدوان الإسرائيلي الذي وقع في تموز والذي أثبت فيه اللبنانيون أنهم من خلال وحدتهم وصفوفهم المرصوصة والتفافهم حول جيشهم الوطني ومقاومتهم الوطنية، قادرون على إسقاط أوهام إسرائيل حول قدرتها على إخضاع القرار اللبناني خصوصاً والعربي بشكل عام». وقال: «إن ما نشهده اليوم داخل إسرائيل من انهيارات للتركيبة السياسية يؤكد حقيقتين: الأولى هي أن عدوان تموز الماضي لم يكن وليد ساعته ورد فعل على أسر جنديين إسرائيليين، بل هو نتيجة مخطط لتحطيم لبنان والثأر لكبرياء إسرائيل تم صوغه والتوافق عليه قبل حصول العدوان بوقت طويل، والثانية هي في العبرة التي قدمها الشعب اللبناني للعالم أجمع والتي تتلخص بأنه عندما يقف شعب الى جانب حقه فهو قادر على مواجهة أي عدو مهما تعاظمت قوته وقدراته العسكرية والسياسية والاقتصادية».
وأكد «أن الترجمة الصادقة لفعالية الدفاع عن الحق كانت في صد المقاومة الوطنية للعدوان الإسرائيلي على مدى 34 يوماً بعدما ظن الكثيرون أن هذا الصمود لن يستمر أكثر من ثلاثة أيام. إلا أننا أكدنا منذ اليوم الأول ثقتنا بأن تضامن اللبنانيين مع مقاومتهم واحتضانهم لإخوانهم أبناء القرى المدمرة سيجعل النصر أكيداً وهذا ما حصل»، مشدداً على ضرورة «أن تعكس قراراتنا رغبات شعوبنا بالحرية والكرامة ووحدة الخيار، وإلا فإن شعوبنا ستسبقنا صوناً لكرامتها وللشهامة العربية». وأشار لحود إلى «أن لبنان واجه العدوان الإسرائيلي الشرس وانتصر لأنه كان موحداً ومتضامناً مع نفسه»، موضحاً «أن ما يشهده حالياً من أزمة سياسية يعود الى شرخ حاصل في صفوف اللبنانيين حول قضايا من غير الجائز أن يختلفوا عليها».
وكان لحود استهل اليوم الثالث لوجوده في الرياض بلقاء أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، يرافقه الوزيران المستقيلان فوزي صلوخ ويعقوب الصراف. وجدد لحود شكره لأمير قطر على «الدعم الذي قدّمه إلى لبنان واللبنانيين خلال العدوان الإسرائيلي في تموز الماضي والمراحل التي قطعتها عملية إعمار مناطق عدة في الجنوب والتي تتولاها الدولة القطرية. وشدد على «أهمية استئناف الحوار بين الأطراف اللبنانيين وصولاً الى تحقيق المشاركة الوطنية المطلوبة في ظل توافق وطني على مختلف المواضيع التي تتباين آراء اللبنانيين حيالها». وأوضح أنه حرص على إدخال تعديلات على الورقة اللبنانية «من أجل أن تعبّر عن وجهة نظر جميع اللبنانيين وتعكس توافقهم، وخصوصاً في هذه المرحلة حتى لا تبدو القمة وكأنها تلتزم مواقف لا تلقى الإجماع الوطني المطلوب».
من جهته، جدد أمير قطر دعم بلاده لكل ما يجمع بين اللبنانيين ويوحّد كلمتهم، معتبراً «أن لبنان لا يعيش إلا على توافق أبنائه ومشاركة جميع طوائفه في عيش مشترك كان وسيبقى موضع اهتمام الدول كافة». ونوه بـ«صمود الشعب اللبناني عموماً وأهل الجنوب خصوصاً».
واتفق الطرفان على «أن المرحلة دقيقة وتتطلب تعاون جميع الأطراف اللبنانيين لتغليب المصلحة الوطنية» وعلى ضرورة «تجنيب لبنان التدخلات الخارجية ومواجهة المخططات الإسرائيلية المعادية وتطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 بكامل بنوده».
وفي نهاية اللقاء، وجّه الرئيس لحود دعوة إلى أمير قطر لزيارة لبنان، كما وجّه الأمير الشيخ حمد دعوة مماثلة إلى لحود الذي التقى أيضاً الرئيس الموريتاني العقيد علي المحمد فال.
وأعرب مصدر في الوفد الرئاسي اللبناني عن ارتياح الرئيس لحود للمواقف التي صدرت عن قمة الرياض ولا سيما ما يتصل منها بالتمسك بالمبادرة العربية للسلام بكل بنودها، وخصوصاً البند المتعلق بضمان حق عودة الفلسطينيين الى ارضهم وعدم توطينهم في البلدان التي تستضيفهم، وكذلك البنود المتعلقة بالتضامن مع لبنان بعد التعديلات التي ادخلت عليها. وأوضح المصدر أن الملاحظات التي ابداها لحود على مشروع القرار الذي كان قد اعدّه وزراء الخارجية العرب ،«لم يكن هدفها تسجيل نقاط على هذا الفريق أو ذاك، بقدر ما كان هدفها إنجاح القمة العربية في مقاربتها للملف اللبناني بحيث تجسّد قراراتها وحدة الموقف العربي تجاه جميع اللبنانيين».
وأعرب المصدر عن اسفه لأن يكون همّ فريق الرئيس فؤاد السنيورة «السعي الى الترويج بأن الرئيس لحود اراد تفشيل القمة، فيما الواضح أن الصيغة التي اقترحها فريق الرئيس السنيورة هي التي حاولت حصر كل المواضيع بالحكومة واسقاط دور المؤسسات الدستورية الاخرى، وهو امر يعرف الرئيس السنيورة أنه يعبّر عن رأي فريق معين من اللبنانيين، فيما الرئيس لحود سعى الى التعبير عن آراء جميع اللبنانيين وأن يجسد صورة توافقهم ووحدتهم». وأشار المصدر الى أن لحود لم يبحث في الرياض عن منتصر ومهزوم، ولا سعى من اجل مكاسب شخصية او حصرية، لأنه اراد أن يكون المنتصر لبنان ووحدته وتضامن ابنائه وهذا ما تحقق سواء من خلال القرارات او من خلال الموقف الذي اطلقه في المداخلة التي اوردها خلال الجلسة المغلقة للقمة، والتي اكد فيها رفض التنازل عن اي فاصلة في بنود المبادرة العربية، ثم اعاد التأكيد عليها في كلمته امام القمة أمس.
ورأى المصدر أن لبنان خرج واحداً من القمة، بفضل التعديلات التي أُدخلت على الورقة اللبنانية، فيما كان يراد له من خلال الصيغة المقترحة أن يبدو مشرذماً ومنقسماً على نفسه، وهذا الموقف ركّز عليه رئيس الجمهورية في كل لقاءاته مع القادة العرب ومع الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي التقاه مرة ثانية قبيل الجلسة الختامية أمس ودعاه الى أن يستمع خلال زيارته الى بيروت، الى كل الآراء والمواقف ليكوّن صورة حقيقية عن المناخ السياسي اللبناني.
وعاد لحود مساء أمس إلى بيروت على متن طائرة خاصة تابعة لشركة طيران الـ«ميدل ايست».
( الأخبار)