البقاع الشمالي ـــ رامي بليبل يسأل الجيرانُ أبا إبراهيم في الهرمل عن نتيجة ولديه في امتحانات الشهادة الثانوية، فيجيب بمزيج من الفرح والقلق: «المشكلة أنهما نجحا». فأبو إبراهيم لا يملك سوى بضع دونمات من الأرض لا تكفي مواسمها في كل عام مصاريف العائلة، ومشكلته مع الجامعة همّ جديد أضيف إلى لائحة همومه ومشاكله.
وبما أن باب الانتساب إلى الجامعات الخاصة مغلق تماماً أمام الشابّيْن نظراً لانهيار الوضع الاقتصادي للعائلة خلال السنتين الأخيرتين، فإن الجامعة اللبنانية أضحت خيارهما الوحيد. إلّا أنّ الكلفة العالية المتمثلة ببدل النقل اليومي وتأمين رسوم التسجيل، وثمن الكتب تجعل الأبواب موصدة أمام إبراهيم وسناء وتحوّل حلمهما الجامعي مستحيلاً لأنّ فروع الجامعة الأقرب إلى الهرمل تتمركز في زحلة.
ولا تختلف أوضاع معظم زملاء إبراهيم وسناء، فالطالبة في معهد العلوم الاجتماعية ـــ الفرع الرابع زينة قانصوه تقول: «أقطع مسافة تفوق المئتي كلم يومياً، ذهاباً وإياباً، فأمضي حوالى الأربع ساعات على الطريق، فيما لا يتجاوز عدد حصص التدريس الثلاث ساعات. ويضطرّ طلاب البقاع لدراسة أحد اختصاصات العلوم الإنسانية في فرع زحلة، في ظل غياب الكليات التطبيقية، فتبدي طالبة الجغرافيا نبيهة نزها امتعاضها من عدم تمكنها من دراسة الهندسة «أقطن في النبي عثمان، ومن الصعوبة بمكان الانتقال يومياً إلى بيروت، وقطع مسافة تقارب الثلاث مئة كلم، ناهيك عن عدم قدرة والدي على تحمل عبء السكن في بيروت مع ما يجعل السكن المنفرد أمراً محفوفاً بالكثير من العوائق العملية والاجتماعية».
ولا تقتصر صعوبات متابعة الدراسة الجامعية في بيروت على الرحلة الأسبوعية المعتادة بين بيروت والهرمل، بل تتعداها إلى كون الطريق التي تربطهما هي الأسوأ كما يؤكد طالب الهندسة في معهد العلوم التطبيقية التابع للجامعة اللبنانية في بيروت علي عمرو.
ويتابع عمرو قائلاً : «إذا كانت مخاطر الجليد، وتساقط الثلوج في منطقة ضهر البيدر ناجمة عن الطبيعة الجبلية لتلك المنطقة، فإن القسم الاخر من الطريق بدءاً بمنطقة شتورا ووصولاً إلى الحدود السورية شمالاً في الهرمل هي الأخطر بسبب رداءتها». ومن أبرز المعوقات الملازمة لقرار الدراسة في بيروت: تأمين السكن «اللائق» الذي غالباً ما يكون غرفة متعددة الوظائف في بناء قديم أو بالقرب من درج إحدى البنايات بما يمكّن استخدامها للنوم والطعام والدراسة والاستحمام، وصاحب النصيب يكون محظوظاً لأنّه لن يدفع إيجاراً شهرياً يزيد على المئتي ألف ليرة لبنانية. وهناك يبدأ التخطيط لتوفير رسوم التسجيل والمصاريف وثمن الكتب الجامعية التي تصل قيمتها، إضافةً إلى إيجار السكن، إلى حوالى الخمس مئة ألف ليرة لبنانية شهرياً. وقد تدفع عدم قدرة أولياء الأمور على تأمين المبلغ الكــــــــثير من الطلاب إلى إهمال دراستهم والتــــفتيش عن عمل بغية تأمين لقمة العيش.
ويذكر عمرو أنّه بادر وزملاؤه إلى تشكيل أكثر من لجنة للمطالبة بافتتاح فرع للجامعة اللبنانية في منطقة الهرمل، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل، بسبب عدم تبني القوى السياسية الفاعلة في المنطقة لمطلبهم.
وفيما اختار 450 طالباً من أبناء الهرمل فرع الجامعة اللبنانية في زحلة، آثر 150 منهم الدراسة في بيروت، فيما لا يتلقى هؤلاء أي مساعدة باستثناء النذر اليسير من المال الذي تقدمه بلدية الهرمل للذين اختارو متابعة عدد من الاختصاصات العلمية واللغات الاجنبية. ويؤكد رئيس لجنة التربية في المجلس البلدي عبد الله ناصر الدين، في هذا الإطار، أنّ المساعدة اقتصرت على المساهمة الرمزية بتأمين نسبة من ثمن بعض الكتب والأقساط وتصوير المحاضرات وتوفير السكن لمجموعة من الطلاب الفقراء والمتفوقين. ويشير ناصر الدين إلى أن فكرة افتتاح فرع للجامعة اللبنانية في الهرمل هو أمر غير ممكن نظراً لعدم توافر الكادر التعليمي والعدد المطلوب من الطلاب، ما يجعل مساعدتهم على الصعد الأخرى أكثر جدوى وفاعلية.
من جهته، يوضح مسؤول التعبئة التربوية لحزب الله في الهرمل عصام بليبل أنّ المساعدة الرمزية للتعبئة تطال بدل النقل والقرطاسية وبعض الأمور الأخرى، مؤكداً «أننا ندرس خطوات جدية لحل هذه المشكلة».
أما أستاذ مادة اللغة الفرنسية في الجامعة اللبنانية ـــ فرع البقاع الدكتور نديم مراد فيرى «أنّ المعاناة اليومية التي يواجهها الطلاب الجامعيون من أبناء الهرمل والبقاع الشمالي جراء المسافات البعيدة التي يقطعونها وصولاً إلى فرع الجامعة اللبنانية في زحلة أو التكاليف الناجمة عن اضطرارهم الى السكن في بيروت تتم في جو من التصميم والمثابرة، وهو خير دليل على الإرادة الفولاذية التي يتمتع بها هؤلاء الطلاب من أجل تحقيق طموحهم الأكاديمي والمعرفي، وهو أمر يشكل تحدياً في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها».