جوان فرشخ بجالي
قبل 2001، لم يكن أحد يعتقد بأن إقامة حفريات أثرية على تل البوراك قرب الصرفند ستعيد كتابة تاريخ مدينة صيدا، وأنّه سيتم العثور على جداريات تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد. فالاكتشافات المتتالية في السنوات الماضية شكلت عنوان المحاضرة التي ألقتها مديرة البعثة الأثرية المشتركة في تل البوراك البروفسورة هيلين صادر، بدعوة من أصدقاء متحف الجامعة الأميركية في بيروت. وكانت البعثة المؤلفة من فريق من الجامعة الأميركية، وجامعة توبينغام في ألمانيا والمعهد الألماني للآثار قد اكتشفت المدينة التي شُيِّدت في هذا الموقع في الألف الثاني قبل الميلاد والتي كانت تابعة لمملكة صيداوتشرح صادر «أنّه لم يعرف حتى الآن الإسم القديم لتل البوراك، ويتم ذلك حينما نعثر في الموقع على كتابة تشير إلى الإسم الذي كان يطلق على هذه المدينة. لكن من المعروف، بحسب سجلات الآشوريين بأنه كان لمملكة صيدا ستون مدينة تابعة لها وتعمل لحمايتها في حال الحروب». وتل البوراك يشرف على صيدا، وبالتالي يمكن أن يحذّر سكانها من أي هجوم عسكري ممكن.
وقد نجح فريق علماء الآثار في الكشف عن بعض أسرار المدينة، وبنوا على الأسوار أبراج مراقبة، كما شيّدوا في الداخل قصراً مؤلفاً من 12 غرفة تضم رسوماً يرتفع إحدها إلى قرابة الثلاثة أمتار جدران. وهذه الجداريات هي الأولى من نوعها في لبنان. وتشرح صادر في هذا الإطار قائلة: «لقد عثر في سوريا، ومصر وفلسطين على جداريات تعود إلى الفترة نفسها، لكنّها لم تكن محفوظة في مكانها على الحائط كما هي الحال في تل البوراك، بل كانت قد تساقطت مع الزمن وعثر عليها علماء الآثار قطعاً صغيرة مبعثرة على الأرض فأعادوا جمعها ليكوّنوا الرسم. أمّا في تل البوراك، فيمكن رؤية الإطار الأحمر الذي كان يحيط بالرسم حيث يمكن ملاحظة رسم لشجرة، وآخر لإنسان يرتدي ملابس قصيرة ورسم ثالث باللون الأزرق أو الأسود لما قد يكون كلباً راكضاً. ويثير فضول صادر معرفة هويّة الرسامين. هل كانوا محليين؟ أم أنهم أتوا من مدن بعيدة لإتمام جدارية هذا القصر؟ ومن أين أتوا؟ وفي محاولة للإجابة عن الأسئلة، عرضت صادر سلسلة من الصور التي تظهر الجداريات في مواقع أثرية أخرى، معتبرةً أنّ تعدد الرسوم يشير إلى رواج هذه العادة في قصور الألف الثاني قبل الميلاد. وترى صادر أنّ جداريات تل البوراك هي أقرب بأسلوبها إلى الفن المصري منه إلى اليوناني.
وتطرح صادر هذه الأسئلة بالنسبة إلى مكتشفات الألف الثاني في الموقع.
لكنّ الفريق كان قد عثر أيضاً على بيت يعود إلى الألف الأول. والدراسة التفصيلية ستسمح للعلماء بفهم تطور الهندسة المدنية عند الفينيقيين.
وفي إطار عملهم في هذا المنزل، اكتشف العلماء قبراً لكلب دفن في جرة من الفخار، وترتبط عادة دفن الكلاب هذه بشعائر دينية قديمة، ولم يعثر حتى الآن على أي نص ديني يشرح هذه العقائد، فلا تزال إذاً من ألغاز التاريخ. يعود فريق العمل إلى موقع تل البوراك خلال أشهر الصيف المقبل مع أمل العثور على المقابر الفينيقية. فهي عادة تحوي أسرار المدن والحضارات، ودراستها قد تعيد كتابة التاريخ أو على الأقلّ تضيف إليه حقائق جديدة.