صدر أخيراً قرار قضائي يتّهم رجلين بضرب فتاة واغتصابها. وكان المتهمان قد حاولا الإفلات من تهمة الاغتصاب عبر استئناف القرار القضائي. لكن القضاة استخدموا منهجية علمية مكّنتهم من التوصّل إلى دلائل على وقوع جريمة اغتصاب
وجد عناصر من فصيلة البسطة في قوى الأمن الداخلي بتاريخ 26/12/2005 فتاة «في حالة يرثى لها» قرب مكبّ للنفايات في محلة بشارة الخوري، وكان مظهرها «مزرياً وتنبعث منها رائحة كريهة» وكانت في حالة انهيار عصبي. وبعدما عاينها طبيبشرعي بتاريخ 28/12/2005، تبين له أنها تعاني حالة هلع وتوتر نفسي شديد، ولم تكن تتكلم. وتبين للطبيب وجود كدمات عديدة على كل أنحاء جسمها مع «انسكابات دموية على الجزء السفلي من جسدها»، بالإضافة إلى وجود تورم في مهبلها واحمرار شديد في غشاء البكارة، بالإضافة إلى «انسكاب دموي داخل المهبل ناتج من إصابات».
وذكر الطبيب الشرعي أن «الإصابات ناتجة من اعتداء جنسي عنيف من شأنه أن يحدث صدمة نفسية قوية»، وأن الكدمات تدل على تعرضها للضرب بجسم صلب أو باليدين. أما إصابات المهبل فهي ناتجة من «مجامعة جنسية عنيفة مترافقة مع الكدمات». وذكر الطبيب الشرعي في تقريره أن الضحيّة كانت تعاني هلعاً وهيجاناً، ما اضطره لإعطائها دواءً مهدئاً للأعصاب ليتمكن من معاينتها.
وفي 19 آذار الفائت بعد سنة تقريباً من تاريخ وقوع الجريمة، أصدرت الهيئة الاتهامية في بيروت المؤلفة من القضاة جميل بيرم رئيساً والمستشارين القاضيين غادة عون وعماد قبلان، قراراً اتهمت بموجبه صاحب مكتب «لتشغيل الخادمات الأجنبيات» باغتصاب وإيذاء فتاة من التابعية الفيليبينية، كما اتهمت الهيئة شخصاً آخر بإيذائها.
المحاولة الفاشلة
أنكر المتهمان أمام القضاء اغتصاب الفتاة، لكن أحدهم اعترف بضربها، كما أعاد تقرير الطبيب الشرعي وقت الاغتصاب إلى الوقت الذي كانت المدعية موجودة فيه في مكتب «تشغيل الخادمات الأجنبيات». وفي المرحلة الأولى، استأنف المتهمون وتمكنوا من إقناع قاضي التحقيق بأنهم لم يقدموا على اغتصاب الفتاة. لكن الهيئة الاتهامية عادت وقبلت، في قرارها الأخير، استئنافاً ثانياً كانت قد تقدمت به المدعية بعدما قرر قاضي التحقيق منع المحاكمة عنهم في جناية الاغتصاب.
وذكر القرار الاتهامي أن ما يعزز قناعة القضاة بأن الضحية تعرضت للاغتصاب في مكتب «تشغيل الخادمات الأجنبيات»، إضافة الى ما ورد في تقرير الطبيب الشرعي، هو أنها عندما وصلت إلى المكتب كان وضعها النفسي طبيعياً وعندما خرجت منه كانت تعاني من عوارض الحالة النفسية المعروفة بـ«ما بعد الصدمة» (POST TRAUMA) الناتجة من اعتداء جنسي أو أي اعتداء آخر يكون بالشدة عينها، معتمداً على تقرير اللجنة الأوروبية لمكافحة التعذيب والمعاملة غير الإنسانية.
وذكر أحد موظفي المكتب أن الضحية «كانت ترتجف وغير قادرة على الكلام وكانت ترتجف وشعرها مبعثر وثيابها متسخة ومبللة ورفضت تناول أي طعام». وأضاف أمام القضاء أنه نقلها الى مكتب في منطقة رأس النبع، حيث «تركها في السيارة ليفتح المكتب، وعندما عاد لاصطحابها لم يجدها في السيارة». أما ربة عملها فذكرت في إفادتها أنها طالبت بإعادة المدعية إلى المكتب لأنها لم تكن تجيد العمل على مدى حوالى شهرين قضتهما في منزلها، «حيث كان وضعها الصحي والنفسي عادياً».
منهجية القضاة
ولا بد من التوقف هنا عند اعتماد قضاة الهيئة الاتهامية منهجية علمية دقيقة وواسعة الاطلاع تناولت الجانب الطبّي كما الجانب النفسي. إذ ذكر القرار الاتهامي أجزاء من نصّ تقرير صادر عن اللجنة الأوروبية لمكافحة كل أشكال التعذيب والمعاملات غير الإنسانية (مركزها ستراسبورغ) والمنظم من الدكتور بيتر هوكيسون يصف «حالة ما بعد الصدمة» ودلالاتها. وتبين للقضاة بعد مقارنة وضع الضحية النفسي كما وصف في افادات الشهود وفي التقرير الطبي من جهة وما ذكره هوكيسون في نصّه من جهة أخرى، أن الفتاة الفيليبينية تعرّضت لجريمة اغتصاب. وهذه المنهجية العلمية تدلّ على الجدّية المهنية والمتابعة العلمية التي يرتكز عليها القضاة في اتخاذ القرارات المناسبة والعادلة المدعومة بالمعرفة وصلابة الإثبات.
لم تتقاضَ راتبها
وبالعودة إلى الضحية كان المتهم قد أمن لها عملاً في أحد المنازل، قبل أن يعيدها أصحاب المنزل «لأنها لا تجيد العمل». وعندما أعيدت إلى المكتب، تعرضت للضرب والاغتصاب، قبل أن يجدها عناصر قوى الأمن بعد أيام قرب مكب للنفايات، وهي في حالة نفسية وصحية مزرية. وذكرت المدعية أمام القضاء أنها لم تتقاض راتبها بعد انقضاء 5 أشهر من العمل في منزل مخدومتها، وأفادت بأن شخصاً «قوي البنية» اصطحبها بالقوة معه بموافقة ربة عملها وأرغمها على الصعود إلى المكتب حيث تعرضت للضرب، وأنها لا تذكر ما حصل لها بعد ذلك، وقد استعادت وعيها في المستشفى، لكنها متأكدة من أن «أكثر من شخص» اغتصبوها. وأمام قاضي التحقيق وعند مواجهتها بالمدعى عليهم ذكرت أن أحدهم ضربها بقطعة خشبية على كل أنحاء جسدها. ولدى استجواب المدعى عليه اعترف بضربها مدعياً «أنها حاولت الانتحار وحاولت خلع ملابسها».
(الأخبار)