غسان سعود
«ســورية» تفصــل بيـن التبــانة وبعـل محسـن واتهامــات بنشــر «التشــيع الايــراني»

في «بعل محسن»، معقل الطائفة العلوية في الشمال، لا تزال صور الرئيس السوري بشار الأسد مرفوعة فوق المحال التجاريّة وعلى شرفات المنازل. ولا يجد أبناء هذا الحي الطرابلسي حرجاً في التحلّق حول الصورة مبتسمين للكاميرا، أو رافعين شارات النصر، مؤكدين أن «الرئيس الأسد حبيبنا وأعزّ الناس».
أهل «البعل»، منشغلون، هذه الأيام، بمضاعفات انتخابات المجلس الاسلامي العلوي التي جرت الأحد الماضي، وفازت فيها اللائحة التي يدعمها النائب السابق علي عيد مظهرة الى العلن أوجه الصراع الداخلي في الطائفة.
في الشكل، تتنازع الساحة السياسية العلوية أربعة أطراف، أحدها موال للحكومة ويضم النائبين مصطفى حسين وبدر ونوس، أما الأطراف الثلاثة الأخرى فهي معارضة للحكومة وتضم النواب السابقين علي عيد وأحمد حبوس وعبد الرحمن عبد الرحمن، وكل من هؤلاء «قطب» يحاول الاستئثار بزعامة الطائفة، ما يهدد بظهور «حالة درزية» ضمن الطائفة. فيما يخشى كثر من أن يصبح للعلويين ثلاثة رؤساء روحيين بدل اثنين كما هي الحال عند الدروز!
والغريب في هذا كله أن تعاني الطائفة هذا الانقسام رغم اتهام البعض لها بـ «الاستسلام الكامل» لوصاية السوريين في السياسة وغير السياسة. الأمر الذي ينكره كل المسؤولين العلويين، موالين ومعارضين.

في زمن السوريين

ترتسم على وجه النائب السابق عبد الرحمن عبد الرحمن ابتسامة ساخرة لدى سؤاله عن استفادته كعلوي من الوجود السوري في لبنان، مؤكداً أن النظام السوري لم يتعامل مع النواب العلويين اللبنانيين من منطلق علوي، وأن العلاقة مع سوريا كانت سياسية حصراً من دون أي بعد ديني. الا أنه يقر بتراجع «جزئي» للاجحاف في حق الطائفة في مرحلة ما بعد الطائف باعطائهم نائبين في البرلمان، وثلاثة مناصب ادارية في الفئة الأولى هم مدير عام في ادارة عامة، مدير عام مؤسسة عامّة، وسفير. لكن هذه المراكز الثلاثة بحسب عبد الرحمن، «كانت الأدنى في مناصب الدولةويرد الدكتور خليل شتوي الذي دفع «ثمن الوفاء لسوريا» عبر ابعاده عن التشكيلات الديبلوماسية الأخيرة على الاتهامات بـ «تسورن العلويين» قائلاً إن 68،6 % من أصوات المقترعين العلويين في انتخابات 1996 كانت لمصلحة النائبة نائلة معوض التي تقدمت على الحليف الأوثق لسوريا سليمان فرنجية الذي حاز 57،9% فقط من أصوات العلويين، كما تقدم محمد كبارة على عبدالله الشهال عضو القيادة القومية لحزب البعث، وسبق عصام فارس وطلال المرعبي بعشرات الأصوات أحمد حبوس الذي حل أول في كل أقلام محافظة الشمال باستثناء أقلام طائفته العلوية، ليعود ويحوز في انتخابات 2000 بين المقترعين العلويين نسبة أقل مما حاز مصباح الأحدب وفريد مكاري وشارل أيوب. ويؤكد شتوي أن تمثيل العلويين، في زمن السوريين، تراجع في بلدية طرابلس عما كان عليه قبل الطائف، وبقيت الطائفة العلوية خارج إطار المشاركة في السلك القضائي،
وفي السياق نفسه يرفض النائب العلوي في كتلة «المستقبل» بدر ونوس الكلام عن «بعثية» كل أبناء الطائفة، ويشيد بعلمانية النظام السوري، وعدم تدخل السوريين خلال وجودهم في لبنان بالشؤون الداخلية للعلويّيين. وهو يعتب على السوريين لعدم مساعدة الطائفة، الأكثر حرماناً في لبنان، في تحصيل حقوقها، اذ «لا تزال مستثناة من التمثيل في وظائف عديدة في الفئتين الأولى والثانية».
لا ينكر بعض أهل «الجبل» استفادتهم من السوريين في «عرض العضلات»، وتوسع العلويين اقتصادياً وتجارياً خارج أحيائهم التقليدية بـ «دعم عاطفي من الضباط السوريين». إلا أنهم يؤكدون أنهم ليسوا «طارئين على المنطقة»، معدّدين أسماء فقهاء علويين طرابلسيين مثل أبو محمد عبد الله بن قطّان الطرابلسي وأبو علي الحسن بن محمد بن مكبر الطرابلسي، وبعض حكام طرابلس من الأمراء العلويين مثل أبو الحسن رايق بن خضر الغساني والي طبرية وطرابلس، وابنه محمد المُسمّى بملك الملوك، والأمير بدر بن عمّار بن اسماعيل.

بعد الخروج السوري

بعد سنتين على الخروج السوري، لا يزال بؤس العلويين في «جبل الدروز» وفي «المسعودية» العكاريّة على حاله. وتعيد غالبية الأهالي السبب إلى «انتقام» المسؤولين منهم بسبب خيارهم السياسي، الأمر الذي يستغربه ونوس سائلاً متهمي الحكومة عمّا فعلوه عندما حكموا 15 سنة وكانوا أقرب المقربين إلى المسؤولين اللبنانيين والسوريين. ويؤكد النائب الطرابلسي أن «لولا ذهنية (النائب السابق) علي عيد لكانت بعل محسن أشبه ببرج حمود لجهة الحركة التجارية». ويشيد ونوس بتعايش العلويين والسنّة في طرابلس، وحصول «آلاف المصاهرات» بين عائلات المذهبين. ويلفت إلى نجاحهم في «تطويق الفتنة التي سعى إليها عيد أخيراً بين أهالي التبانة والجبل». وينوّه ونوس بسعيه وزميله عن المقعد العلوي في عكار مصطفى حسين لانشاء مدرسة ثانوية وتكميلية وابتدائية في بعل محسن، ورصد الأموال لاعادة تأهيل شبكة المياه، اضافة إلى مساهمتهما «الكبيرة في تحسين أحوال موظفي الطائفة، وحملة لاعادة تأهيل الطرق الداخلية في الجبل».
ويعتبر عبد الرحمن أن ثمة معاملة لبعض الشخصيات العلوية بكيدية، لافتاً الى تعيين سفير من ضمن المجموعة المحيطة بالنائبين العلويين الحاليين اللذين «لا يمثّلان أكثر من خمسة في المئة من أبناء الطائفة. كما ألف (الرئيس فؤاد) السنيورة لجنة لمتابعة أحوال الفلسطينيين دون أن يشرك المدير العام لمديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين الدكتور خليل شتوي لقربه سياسياً» منه. الا ان عبد الرحمن يرى أن الكلام عن استهداف للطائفة «مبالغ فيه، فالشمال بأكمله ساقط من جدول أعمال السلطة».
ووسط تعدد الآراء، يزداد ترداد العلويين في مناطقهم لعبارات تكشف قلقهم من التهميش. «الشيعة والمسيحيون ثلث البلد وليس ثمة من يسأل عنهم. ماذا تتوقع أن تكون حال العلويين وهم بضعة آلاف؟» يقول صاحب محل للسمانة في بعل محسن.

«شارع سورية»

يمر السؤال في الشمال عن العلويين بـ «التبانة» جارة «بعل محسن». والحال بين الحيين المتلاصقين ترقب مستمر منذ أكثر من عقدين لانفجار الاقتتال الطائفي الذي بدأ عام 1980 مع اندلاع القتال بين «قوات الردع» السورية وحركة «فتح» الفلسطينية جاعلاً من «شارع سورية» مساحة تختصر آثار الحرب الأهلية. وتبين إثر الاضراب العام الذي دعت إليه المعارضة أخيراً أن «النار لا تزال تحت الهشيم»، اذ قتل ثلاثة شبان نتيجة تجدد القتال بين أهل الحيين. يتهم أهل التبانة جيرانهم العلويين بـ «العمالة لسوريا» وبوفودهم إلى الشمال وفق «مخطط سوري يؤمن سيطرة النظام البعثي على الشمال». ويقول أحد مخاتير التبانة ان شبان «الجبل» تحولوا أيام «الوصاية السورية» إلى «بعبع» في التبانة. ويعتبر أحد المشايخ السنّة في التبانة أن «العلويين قناع إيراني لنشر التشيع»، مذكراً بدورهم في الدولة العثمانية كمناصرين ودعاة للدولة الصفوية في إيران.
هذه التهم، وغيرها المئات التي يحفظها أهل «التبانة» غيباً ويرددونها فور سؤالهم عن علاقتهم وجيرانهم العلويين تجد استنكاراً واسعاً في «الجبل» وردوداً موثقة تثبت وجود العلويين التاريخي في لبنان، ودفعهم ثمنا باهظا نتيجة تأييدهم السياسة السورية حيال لبنان وقضايا الصراع العربي - الاسرائيلي. وتجدر الاشارة إلى أن عدد الناخبين العلويين عام 2005 بلغ 22968، اقترع منهم 10662 مواطناً. ويتوزع العلويون بين مدينة طرابلس (60%) وبلدات عكار وقراها (38%) و2% في باقي لبنان. وهم يشكلون قرابة 10% من سكان مدينة طرابلس. وتسكن غالبيتهم(70% على الأقل) في منطقة بعل محسن. التي شهدت في سنوات الحرب نزوحا مذهبياً.

الدعوة العلوية تقمّص في انتظار المهدي