أنطوان سعد
تنظر أوساط بكركي بكثير من القلق إلى استمرار حال الشلل في البلد جراء استمرار الاعتصامات والتوعّد بالتصعيد بعد انقضاء فترة الأعياد نهاية الأسبوع الجاري وغياب كل محاولات التقريب في وجهات النظر بين الطرفين المتنازعين، وبالتالي سقوط المبادرات لإخراج البلد من أمام الحائط المسدود.
ومن المتوقع أن يعكس البيان الشهري للمطارنة الموارنة الذي سيصدر قبل ظهر اليوم هذا القلق، ويدعو كلاً من الطرفين إلى تحمل مسؤولياتهما والمبادرة إلى بحث سبل الحلحلة على قاعدة الثوابت البطريركية الصادرة مطلع الشهر الماضي التي حظيت بتأييد الأطراف السياسية كافة أو على قاعدة أخرى قريبة منها. إذ إن المهم في نظر سيد بكركي أن يتم الخروج من الشارع بأسرع وقت ممكن لأن استمرار الاعتصامات في ظل انعدام رؤية للحل من شأنه أن يكون فخاً قابلاً للانفجار في أي لحظة. وهذا ما لا يريده أي مواطن أو مسؤول حريص على الاستقرار السياسي والأمني في بلاده، وهذا بالتأكيد أخشى ما يخشاه البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير الذي تنتهي حدود الحياد عنده لدى وصول لبنان إلى نقطة الخطر وعودة شبح الحرب الداخلية.
ومن المعروف أن سيد بكركي حتى في زمن الهيمنة السورية على لبنان كان يناهض التحرك في الشارع ضد الحكومة والسلطة التي كانت سوريا تعيّنها بكل ما للكلمة من معنى. ولطالما تسببت مواقفه الداعية إلى الخروج من الشارع بإشكالات مع مناصري التيار الوطني الحر الذين كانوا يدعون إلى التظاهر في كل المناسبات الوطنية وفي ذكرى إعلان حرب التحرير في 14 آذار من كل عام. ولا يمكن بالتالي تصوير دعوة البطريرك صفير إلى الخروج من ساحة رياض الصلح على أنها انحياز من جهته لمصلحة قوى الأكثرية. فهو منذ تشكيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وقبل موقف «حزب الله» الداعي إلى تحقيق المشاركة والتوازن في السلطة بثلاثة أو أربعة أشهر، دعا إلى تصحيح الخلل في المؤسسات الدستورية والإدارية وتابع عن كثب ما يجري في بلدية بيروت ووزارة التربية وغيرها لافتاً المسؤولين إلى وجوب إصلاح الخلل.
ولا بد من التذكير أن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد هو من تولى الرد على بيان المطارنة الموارنة الصادر مطلع أيار الماضي الذي لفت فيه الأساقفة الموارنة إلى مغبة «استئثار فئة» بالسلطة والإدارة، داعياً إلى التخلي عن هذا النهج. وقد تزامن موقف النائب رعد مع بيان لمجلس المفتين السنة اعترض فيه على ما جاء في بيان المطارنة الشهري الذي لم يجد تجاوباً معه من معظم القوى السياسية في المعارضة والموالاة على السواء. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن نداء المطارنة الصادر في أيلول الفائت شدّد بدوره على ضرورة تحقيق المشاركة العادلة بين مختلف المكوّنات اللبنانية في إدارة شؤون المؤسسات الدستورية والقطاع العام.
غير أن تبني البطريرك الماروني لخيار إصلاح الخلل لا يمكن، في أي شكل من الأشكال، أن يصل إلى حد القبول بالتحرك في الشارع. وما لم يقبل به في زمن الهيمنة السورية لن يقبل به الآن، أياً تكن الاعتبارات، وخصوصاً أن لا أفق واضحاً ولا سقف محدداً في طرح المعارضة ولا حدود زمنية للتحرك الشعبي الذي تدعو إليه. وبات الاستمرار في هذا الاتجاه، في نظر سيد بكركي، أشبه باللعب بالنار وبالسير على حافة الهاوية التي قد تبتلع الجميع في نهاية الأمر. من هذا المنطلق يبدو البطريرك صفير ميالاً إلى تهدئة اللعبة قليلاً إفساحاً في المجال أمام استئناف مبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أو أي جهة أخرى للبحث في شكل هادئ عن حل للمأزق القائم.
وبدلاً من لعن الظلام، وعلى رغم عدم توافر الأجواء الملائمة والمساعدة على تحقيق التوافق بين القوى المتنازعة، يسعى سيد بكركي بعيداً عن الأنظار بالتعاون مع المطارنة سمير مظلوم ويوسف بشارة وبولس مطر إلى تسريع خطوات الاتصال بالفرقاء السياسيين المسيحيين في مرحلة أولى ومن ثم بالقيادات اللبنانية الأخرى للتوصل إلى حد أدنى من الاتفاق على الثوابت البطريركية التي تم إعلانها علها تشكل فرصة لإخراج البلاد من أمام الحائط المسدود.