ثائر غندور
من يقف أمام الأونيسكو لمدة خمس دقائق، لا بد من أن يسأله عدد من المارة: «وين مدخل وزارة التربية؟». يأتي الرد مباشراً: «اذهب إلى اليمين بجانب الشاحنات». فقد بدأ موظفو وزارة التربية والتعليم العالي عملهم الاعتيادي بعد الأعياد، لكن ليس لتخليص معاملات المواطنين، بل لتوزيع مكاتبهم على الغرف الفارغة.
للدخول إلى مبنى وزارة التربية والتعليم العالي الجديد، عليك اللجوء إلى المدخل الخلفي. لا إشارات تدل المواطنين على المدخل المؤقت للمبنى، وبعد أن يصل أصحاب المعاملات إلى الباب، يفاجأون بالمكاتب «المكوّمة» بعضها فوق بعض، إضافة إلى مختلف التجهيزات المكتبية مثل المكتبات والكومبيوترات... تنقلها كوادر الشركة المكلفة بعملية نقل المكاتب. ينتظر المواطن دوره أمام المصعد للوصول إلى الطبقة الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة. أمّا المتوجه إلى الطبقات الخمس الأولى، فما عليه إلّا استخدام السلالم بعد أن يرشده أحدهم إليها. ويقول العامل المشرف على «عملية إدخال التجهيزات والمواطنين إلى المصعد» لأصحاب المعاملات: «يا أخي لا تصعد، ما في حدا من الموظفين». بعضهم يقتنع بكلامه ويرحل، أما القادمون من مناطق بعيدة، بقاعاً، شمالاً أو جنوباً، فيصرون على الصعود «للتأكد بأنفسنا».
مشوار «معاناة إنجاز المعاملات» لا ينتهي بعد تجاوز حاجز المصعد. يصعد المواطن إلى الطابق المقصود، يفاجأ بـ«بكراتين الحليب والشامبو ومساعدات الإغاثة» تحوي ملفات المواطنين، أو ببساطة أرشيف الوزارة. يتوزع الأرشيف على الطبقات تبعاً للتقسيمات. هنا أرشيف المحاسبة وهناك أرشيف المدارس... بدون أيّ حراسة عليه. يمرّ الجميع من أمامه، ينظر بازدراء، ولو أراد أن يسحب أحد الملفات لفعل من دون أي سؤال. ويلفت أحد مخلّصي المعاملات إلى ضياع بعض الأوراق خلال عملية النقل، إذ إن العمال لا يعرفون ما تحوي وما قيمتها. ويبدو، بحسب أحد الأساتذة، أنّ حال الملفات لم تتغيّر، إذ إنه قدّم في عام 1999 طلباً لضم سنوات التعاقد إلى الخدمة الفعلية، ومنذ ذلك الوقت لم يحصل الأمر «إذ إن الملف ضاع عدة مرّات».
لا يعاني المواطنون وحدهم، بل يشاركهم الموظفون والعمال في المعاناة. فقد تمّت الاستعاضة عن الشبابيك بالنايلون والكرتون، أما الهاتف، فبانتظار الجهود التي أكد وزير التربية والتعليم العالي الدكتور خالد قباني أن العمل بها سينتهي في اليومين القادمين. لكن معاناة الموظفين لا تنتهي هنا. فمكاتبهم غير موزعة على الغرف، وعليهم نقلها بأنفسهم رغم تجاوز غالبيّتهم عمر الشباب. يفكرون بالحلول لمأساتهم. فيقترح أحدهم على زميله أن يحضروا عمالاً لتنظيف الغرف من الأتربة، على حسابهم الخاص.
بدورهم، عمال النقل، يضطرون للوقوف بالصف وانتظار دورهم للمرور، فيما هم يحملون المكاتب الثقيلة من الشاحنات إلى الغرف. كما أنهم يسمعون كلاماً قاسياً من المشرفين عليهم والموظفين. فإحدى السكرتيرات تقول لزميليها اللذين قاما بنقل مكاتبهما بنفسهما: «لا تنقلوهم، هذا عملهم وأنتم عم تفسدوهم». وتشير بإصبعها إلى العمال وكأنهم أتوا من عالم آخر.
الوزير قباني يؤكد أن الهدف من عملية النقل المتسرّعة هو توفير مبلغ مليار ونصف المليار من الليرات على الخزانة. ويشير إلى أن شهر شباط هو موعد تسليم المتعهّد للمبنى «إذا ما استطاع ذلك، بسبب توقف الأعمال خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان». ويشير قباني إلى أنه حرص على إنجاز العمل في أربعة طبقات يستقرّ فيها الموظفون لحين الانتهاء من المبنى كاملاً، لكن عطلة الأعياد أرجأت الأعمال. تبرير الوزير لم يقنع المواطنين الذين أتوا من مناطق بعيدة متأمّلين الخير من المبنى الجديد الذي سمعوا أنه سيسهل أمورهم. ويسأل أحد القادمين من طرابلس: «لماذا لم يعلنوا عن توقّف الأعمال في الوزارة لمدة أسبوع، فينجزون عملية نقل المكاتب بهدوء ولا يعذبوننا؟».