بدأت وزارة العدل دراسة خطة أمنية لحماية مقرها وقصور العدل والمحاكم في بيروت وكل المحافظات، بشكل يمكّن القضاة والعاملين في الشأن القضائي والمحامين والمتقاضين من العمل في جوٍ آمن، بعيداً من التهديد وأجواء الخوف التي تنتابهم منذ جريمة اغتيال القضاة الأربعة، على قوس المحكمة، داخل قصر العدل في صيدا، وفرار الجناة الذين ما زالوا بعيدين عن متناول العدالة، وما تبعها من اعتداءات طاولت قضاة داخل المحاكم.ولعل ما عجّل بحث الخطة الأمنية هو التنبؤات والتوقعات التي أطلقها «العرافون ومدّعو علم الغيب» ليلة رأس السنة، وخصوصاً تلك التي جاءت على لسان ميشال حايك، وتنبأ فيها بأن هزتين ستصيبا قصر العدل، وأن إحداهما ستستهدف «أحد أركانه»، الأمر الذي جعل عاصفة من الهلع والخوف تجتاح قصور العدل، وتحديداً قصر عدل بيروت، وأُتبعت بتأويلات واستنتاجات عن هذه الشخصية القضائية المستهدفة، وكأن هذه «النبوءة» باتت في حكم الواقع وينتظر المتخوفون وقوعها بين الحين والآخر، وخصوصاً أن المواطنين اعتبروا أحداثاً عديدة تنطبق على الكثير مما سبق لحايك أن توقعه. ويضرب الذين ينتابهم القلق والرعب أمثلة مما سبق أن قاله حايك ليلة رأس السنة لعام 2005 وفيها أن وسط بيروت سيصاب بزلزال، وأن نائباً يكون على منصة الخطابة سيتوقف عن الكلام، وهذا ما «أسقطه» البعض على اغتيال الرئيس رفيق الحريري في وسط بيروت، وتحديداً عندما كان النائب (السابق) فارس بويز يعقد مؤتمراً صحافياً في مقر المجلس النيابي عندما وقع الانفجار وتوقف عن متابعة كلامه، إضافة إلى ما تبع ذلك مطلع عام 2006 عندما ألمح حايك إلى أن لبنان سيدخل في نفق مظلم وأن أنفاقاً وجسوراً ستتهدم. وهذا ما فُسِّر بالحرب الاسرائيلية واغتيال الوزير بيار الجميل والاعتداءات الأمنية في أكثر من منطقة في لبنان.
ويروي بعض الموظفين ان أمهاتهم وزوجاتهم يتوسلن إليهم يومياً ألا يذهبوا الى أعمالهم في قصور العدل خوفاً على حياتهم ولو أدى ذلك الى فصلهم من العمل، وهذا ما يزيد الإرباك والتوجس لدى هؤلاء الموظفين الذين بدأ القلق ينتابهم، فيما راح البعض الآخر يتكهن بنوعية الاعتداءات التي قد تقع وما إذا كانت محدودة تستهدف رموزاً قضائية لها شأنها ودورها في الملفات الخطرة مثل ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري أو المعنيين بمتابعة إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي. ومن بين الموظفين من بدأ يقلل من ساعات حضوره في العمل ويغادر باكراً تحت حجج مختلفة.
وتترافق موجة الشؤم مع إجراءات أمنية بدأت تتشدد على مدخل مقر العدل في بيروت عبر تسجيل كل السيارات الداخلة الى مرأبه والتدقيق بهويات من فيها والاستفسار عن سبب حضورهم الى العدلية، فيما جرى تفعيل الجهاز الكاشف للأسلحة والمعادن وإلزام الداخلين بعبوره، فضلاً عن قطع الطريق العام التي تمر فيها السيارات أمام مبنى وزارة العدل والمدخل الجنوبي لقصر العدل وتحويل السير في اتجاه جادة سامي الصلح.
وعلمت «الأخبار» ان وزارة العدل بدأت باستدراج عروض من بعض الشركات المختصة لوضع جهاز حماية بشرية وإلكترونية بتقنية عالية، ودعت هذه الشركات الى تقديم عروضها خلال فترة أسبوعين حداً أقصى، على ان تشمل خطة الحماية جميع قصور العدل في لبنان.
كما علمت «الأخبار» ان المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور بدأ بالعمل على طبع بطاقات خاصة بالموظفين وسياراتهم تمكّنهم من الدخول وتمنع أي شخص لا يحوزها، باستثناء المتقاضين والمواطنين الراغبين في تقديم شكاوى أو مراجعات على ان يخضعوا لتدابير أمنية عبر التفتيش الدقيق ومعرفة الدائرة القضائية التي يقصدونها بعد تسجيل أسمائهم وأرقام هواتفهم والمدة التي سيمضونها في قصر العدل.
(الأخبار)