أنطوان سعد
مع استمرار تعثّر المساعي المحلية والإقليمية لرأب الصدع الحاصل في البلاد، وعلى رغم عدم استعداد المعارضة والموالاة، على السواء، للتسليم بأن حال الانقسام والاعتصام والتصعيد باقية إلى حين انتهاء ما تبقى من ولاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، تتساءل أوساط مراقبة عن خطة عمل كل من السلطة والمعارضة لمواجهة الاستحقاق الرئاسي المقبل. إذ بات من المسلّم به أن قوى المعارضة لن تخرج من الشارع ما لم تستجب الأكثرية لمطالبها، وأن هذه الأخيرة ليست مستعدة لذلك من دون حصولها على ضمانات معينة ترى المعارضة أنها تفرغ مطالبها من مضمونها.
وفيما تراوح المساعي الحميدة مكانها في ظل وعود وإشارات في اتجاه استئنافها مع تجدد الكلام على عودة مبعوث الرئيس السوداني مصطفى عثمان إسماعيل، وربما الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، إلى لبنان للقيام بجولة جديدة من المشاورات، تحشد المعارضة والسلطة قواهما لجولة جديدة من مسلسل النزاع الدائر بينهما منذ الأول من كانون الأول الفائت. فأركان المعارضة يعلنون أنهم يضعون اللمسات الأخيرة على تحضيراتهم للتصعيد الذي باتت ملامحه تتضح، والذي يقارب في شكل عام حد العصيان المدني الشامل. في المقابل، تعزز السلطة تحصيناتها في محيط السرايا وتستكمل استعداداتها للمضي في تنفيذ بنود مشروع الإصلاح الاقتصادي والمشاركة في اجتماع «باريس ـ3» الذي يعني استمرار التغطية الدولية والعربية للحكومة وتوفير الدعم الاقتصادي والسياسي لها كيلا تنهار تحت وطأة الحصار المفروض عليها.
وعلى رغم أن أوساط المعارضة تتوقع النجاح لحملتها الجديدة، وأن أوساط السلطة تؤكد ثبات رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة في السرايا الحكومية وإلى جانبه كل الوزراء الحاليين، فإن بعض المراقبين يتوقع ألا تفضي الجولة المقبلة إلى نتيجة حاسمة. ولا يستبعد هذا البعض أن تستمر حال الانقسام والشلل على المستوى السياسي، والجمود في وسط بيروت على المستوى الاقتصادي، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على الاقتصاد اللبناني عموماً، حتى منتصف الصيف المقبل. كما أن هؤلاء المراقبين لا يستبعدون، بعد انحسار حملة التصعيد التي تتوعد بها المعارضة ابتداء من الأسبوع المقبل، أن تسود حال الاعتصام والمقاطعة السلبية القائمة في البلاد منذ بدء فترة الأعياد، حتى اقتراب نهاية ولاية الرئيس إميل لحود. طبعاً إذا لم تتفتّق مخيلة السلطة والمعارضة ومن يتوسط بينهما، محلياً وإقليمياً، عن حل ينهي النزاع الدائر على الساحة اللبنانية أو يؤجله إلى حين آخر.
انطلاقاً من احتمال استمرار الأزمة حتى أيلول المقبل، ترى الأوساط المراقبة عينها أن كلاً من السلطة والمعارضة بدأ يُعد العدة للخطة «ب» المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي، باعتبار أن الخطة «أ» بالنسبة إلى المعارضة هي تأليف حكومة وفاق وطني تحفظ لها الثلث زائداً واحداً، وبالنسبة إلى السلطة هي تأليف حكومة وفاق وطني من دون هذا الثلث زائداً واحداً. وتعتقد الأكثرية بأن الوقت يلعب لمصلحتها، لذلك كانت دائماً تطلب التشاور والتحاور وترفض سياسة تحديد المهل الزمنية لطاولة التشاور، وهي تعتبر أنه مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي ستصبح المعارضة «عقلانية» في مطالبها وفي تحديد نسبة مشاركتها في عملية انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية. إذ إن انتهاء ولاية الرئيس الحالي من دون انتخاب خلف تعني حكماً انتقال الصلاحيات الرئاسية إلى حكومة الرئيس السنيورة التي تشكو المعارضة منها أصلاً. وفي اعتقاد السلطة أن هذا المعطى سيجعل المعارضة تمتنع عن تعطيل العملية الانتخابية الرامية إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. في المقابل، تؤكد مصادر المعارضة «أنها لن تسمح، مهما كان الثمن، بأن يحين موعد الاستحقاق الرئاسي والوضع الحكومي على هذه الحال».
وفيما تكتفي هذه المصادر بهذا التأكيد، ترى أوساط مراقبة أن السلطة والمعارضة تدرسان حالياً الخطة «ب» التي قد تتخذها المعارضة بالتوافق مع رئيس الجمهورية إذا لم تثمر حملة التصعيد والتحركات المقبلة، وهي تقوم على أن يصدر رئيس الجمهورية مرسوماً يعتبر فيه أن حكومة الرئيس السنيورة مستقيلة، ثم يدعو إلى استشارات نيابية ملزمة تسفر عن تكليف رئيس جديد للحكومة يشكل حكومة جديدة قبل انتهاء ولاية الرئيس لحود التي يرى بعضهم أنها ستكون في الوقت نفسه نهاية الجمهورية الثانية المولودة عام 1989. عود على بدء، حكومتان تتنازعان الشرعية بانتظار طائف جديد يطلق الجمهورية الثالثة.