جورج شاهين
لم تكن عطلة الاعياد الفرصة المثالية لإعادة تقويم التطورات بالشكل الذي يحفظ سلّم الاولويات الذي كان قائماً قبلها، وتلاحقت المحاولات مع بداية العام الجديد لتغييرها، وجاء الاستحقاق الاول المتمثل بمؤتمر باريس ــ 3 ليسهل التعديل الذي سعت من خلاله الحكومة الى تبديل المواقع واستدراج السلطة التشريعية بعد رئاسة الجمهورية الى مواجهة من نوع آخر تحت عناوين اقتصادية واجتماعية.
وقالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع، إن امرار السنيورة سلة مشاريع «الورقة الاقتصادية» ومراسيمها في مجلس الوزراء امس، وما حوته من مشاريع اقتصادية ومالية وإدارية واجتماعية خاصة بالمؤتمر دفعة واحدة، قلب كل التوقعات رأساً على عقب، في سيناريو آخر مكرر خبرته الحكومة في ملف النظام الداخلي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والاتفاق المشترك بين لبنان والامم المتحدة الذي اختصر الطريق من المقر المؤقت لمجلس الوزراء الى الجريدة الرسمية متجاوزاً ما نص عليه الدستور من معابر اجبارية عبر قصر بعبدا وساحة النجمة، حيث استقر، ولا يزال ينتظر الى جانب المراسيم غير القابلة للتنفيذ في المدى المنظور.
وعلى هذه الخلفيات السياسية التي تعطي المواجهة أبعاداً جديدة تستعد الحكومة لخوض حرب طويلة الامد، ما دام باب الحلول الممكنة ما زال موصداً في وجه الوساطة العربية وغيرها من «سلال الافكار» التي طرحها الزوار المفاوضون والوسطاء الاجانب والعرب.
ويقول احد اقطاب 14 آذار إن الحكومة ماضية في التحضير لمؤتمر باريس ــ 3 مهما كانت العوائق الداخلية، لأن ما وُعد به لبنان من معونات مالية واقتصادية يمكن أن يغيّر الكثير من المعطيات الداخلية. واعترف بأن نقل الصراع من الشارع وساحات وسط بيروت ليس امراً سهلاً، لكنه مطلوب بإلحاح بسبب ما خلّفه الاعتصام المفتوح من اضرار اصابت اقتصاد قلب العاصمة وواجهة بيروت الحضارية، وكل لبنان.
ويضيف أن الدعم الدولي لمؤتمر باريس ــ 3 ما زال قائماً من خلال الاعتراف المستمر بالحكومة، وأن الفريق الاقتصادي والمالي الذي يستعد لزيارة العاصمة الفرنسية الاسبوع المقبل سيوفر المعلومات الكافية لما هو متوقع من دعم سياسي عربي ودولي سيترجم مالياً واقتصادياً في القيمة المضافة التي سيقدمها المؤتمر للوضع الاقتصادي في لبنان، وللمالية العامة للدولة اللبنانية التي سجلت خلال عام 2006 عجزاً فاق كل التوقعات السلبية، لا بسبب العدوان الاسرائيلي فحسب بل لأسباب أخرى غير خافية على أحد، ناهيك عن التفاؤل المفرط الذي عبر عنه بعض المستشارين من اصحاب التوقعات الاقتصادية العام ما قبل الماضي.
وفي المقابل، تؤكد مصادر المعارضة أنها لم تكن تتوقع ما شهدته السرايا خلال الايام القليلة الماضية من طروحات اقتصادية وإدارية ومالية تفرّد بها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الذي ظهر على الشاشة واثقاً من نفسه يوزع الابتسامات والآراء والمشاريع كأنه يقف على ارض صلبة لا ماء تحتها ولا بوادر براكين وزلازل تهدد الوضع الداخلي، جراء التفرد بالبلد، وكأن الرجل رئيس مجلس ادارة لشركة او مؤسسة يمسك بـ 99% من اسهمها ولا شريك له!.
وتضيف المصادر: «ما نخشاه أن تستيقظ الحكومة يوماً لترى أن كل ما بنته خلال الفترة الاخيرة كان ابراجاً من الرمل على شاطئ بحر هائج». وسأل: «هل ما طرحه السنيورة من مشاريع وأفكار إصلاحية يمكن أن يعبر بالسرعة التي يشتهيها من السرايا الكبيرة الى باريس من دون الحاجة الى مراسيم وقوانين تحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية أو اقرارها في المجلس النيابي؟».
وعلى هذه الخلفية، أجمعت محافل دبلوماسية عربية واوروبية على اعتبار أن ما هو حاصل في لبنان ليس له اي تفسير، ويبدو كلوحة عبثية لا ينطبق عليها اي معيار قانوني او دستوري. ويكشف احد السفراء أنه سبق له ان طلب تفسيراً لمواد في القانون اللبناني من متخصصين في هذا الحقل في بلاده التي تعتمد القوانين نفسها والتي استقتها من المصادر ذاتها، لكنه فشل في فهم ما يجري تطبيقه في لبنان.
وإزاء كل ما هو قائم، تعترف المصادر ذاتها بأن الحلول لمشاكل لبنان، إما ان تكون سياسية او لا تكون، وعندها لن تعود هناك حاجة الى اجتهادات قانونية ودستورية لتغليف المخالفات المرتكبة وإخفاء عوراتها المخيفة بمثل هذه «الاقنعة الشفافة».