الضنّية ــ عبد الكافي الصمد
لا تزال راسخة حتى اليوم عادة تأمين وتخزين «مونة» البيت الشتوية من المواد الغذائية ومواد التدفئة واللوازم الضرورية، في غالبية بلدات وقرى منطقة الضنّية، نظراً لطبيعة المنطقة الجبلية التي تنقطع طرقاتها أياماً خلال فترة تساقط الثلوج وتشكل الجليد عليها.
وبسبب افتقار سكان المنطقة خلال فصل الشتاء لأي مورد مالي أو غذائي، فإن السعي لشراء أو حتى استدانة السلع التموينية الضرورية التي يتطلبها أي منزل يبقى هاجساً ملازماً لكل ربّ أسرة في المنطقة، وخصوصاً الذين يقتصر عملهم على القطاع الزراعي بصورة رئيسية، وهم يشكلون أكثر من نصف سكان الضنّية تقريباً.
وتتدرج أصناف «المونة» وتتعدد وتتباين أنواعها بين بلدة وأخرى، وحتى بين بيت وآخر، كل حسب إمكاناته المادية، إلا أن هناك أموراً أساسية تبقى جامعة بين كل هؤلاء. فتأمين مستلزمات الشتاء وضرورياته من مدافئ الحطب والمازوت والغاز والكهرباء وغيرها، هو الجانب الأبرز الذي يسعى أي مواطن في الضنّية إلى تأمينه قبل غيره من المتطلبات الأخرى، نظراً للبرد القارس الذي يخيم على المنطقة خلال الشتاء.
أما لناحية تموين المواد الغذائية الضرورية، فإن التطورات والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها الضنّية في السنوات الأخيرة جعلت أموراً عدة تطرأ على عادة تخزين مونة الشتاء فيها، من غير أن تبدل من كونها ضرورة وحاجة لا يمكن أي مواطن في المنطقة أن يستغني عنها.
بدأ «بيت المونة» كغرفة مخصصة في المنزل لتخزين المواد الغذائية الضرورية لفصل الشتاء، لكنّه أخذ يختفي أو يكاد بصورة شبه نهائية من بيوت أهالي المنطقة، بعدما كان هذا «البيت» يحتوي على كلّ ما كانت الأسرة تحتاج إليه طوال فصل الشتاء، حتى إن البعض كان يفاخر أمام الآخرين بأنه كان يستغني عن شراء أي سلعة في هذه الفترة، بعدما يكون قد موّن بيته تمويناً جيداً، ولسان حاله يردد المثل الشعبي الشائع :»في كانون كنّ ببيتك، جواتو قمحك وزيتك».
وغالباً ما كان «بيت المونة» يضم مواد غذائية أساسية، وعلى رأسها الطحين والسمن البلدي والزيت والزيتون، وشتى أنواع الحبوب والفاكهة المقددة أو المجففة، والكشك، والكبيس على أنواعه، والحلويات التي تحضرها ربة البيت محلياً، إلى جانب دبس الخروب أو دبس العنب وغيرهما، فضلاً عن كل ما يمكن أن يحتاج إليه المنزل من مستلزمات للاستخدام المنزلي.
ويعود سبب تراجع وجود بيت للمونة في منازل أهالي المنطقة هذه الأيام إلى أسباب عدة، أهمها: التنظيم العمراني والهندسي الجديد للبيوت الذي لم يلحظ بيتاً لـ«المونة» التي أصبحت تخزّن في المطابخ الحديثة، والتي أضحت بديلاً من «بيت المونة» التقليدي، وتحسّن أحوال الطرقات والمواصلات التي تُسهّل الانتقال والتواصل من أجل الحصول على المواد التموينية المطلوبة، وانتشار عشرات محال بيع المواد الغذائية والتموينية، الكبرى والمتوسطة، في معظم القرى والبلدات، الأمر الذي جعل الحصول على الضروريات المنزلية المطلوبة في متناول اليد.
إضافة إلى هذه الأسباب، إنّ الوضع الاقتصادي المتدنّي أو المتوسط لأغلب أهالي المنطقة، وتراجع مداخيلهم نتيجة تدهور القطاع الزراعي، جعلهم يقفون عاجزين عن تأمين «مونتهم» إلا يوماً بيوم، فضلاً عن الذين نزحوا إلى المدن والمناطق الساحلية، أو هاجروا إلى الخارج.