إبراهيم الأمين
دخلت المعارضة مرحلة جديدة من المواجهة الحادة مع فريق السلطة. والمناقشات التي تجري منذ انتهاء عطلة العيد تركزت على سبل وضع برنامج عمل وتحرك يهدف الى تضييق الخناق على فريق السلطة. والتعامل مع أي مبادرة توفيقية وفق آلية لا تتيح منح السلطة مزيداً من الوقت، وخصوصاً أن فريق المعارضة بات على اقتناع بأن القوى العربية التي تتولى الوساطات هي في واقع الحال تتبنى وجهة نظر السلطة التي تنتمي معها الى نفس معسكر “الاعتدال” المدعوم من الولايات المتحدة وفرنسا. وهو الموقف الذي يمهد عملياً للتعامل بطريقة مختلفة مع أي تحرك عربي مقبل، وسط معلومات عن توجه فريق 14 آذار بطلب الى الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى للعودة سريعاً الى بيروت. ويبدو أن الاهتمام ينصب الآن على سبل تسهيل حصول اجتماع باريس ــــــ3، ما جعل موعد الـ25 من الشهر الجاري، وهو الموعد المقرر لاجتماع باريس ــــــ3 هدفاً بحد ذاته عند فريقي السلطة والمعارضة.
ووفق معلومات المعنيين بالأمر فإن البحث يأخذ بعين الاعتبار حقيقة ان فريق السلطة يريد أمراً واحداً هو كسب الوقت، وان استراتيجية تعطيل المبادرات التي يعتمدها هذا الفريق لها من يدعمها في الخارج. وثمة حديث قوي عن دور يضطلع به السفير السعودي السابق في واشنطن ورئيس مجلس الأمن القومي السعودي حالياً بندر بن سلطان، وأنه هو من يتولى عملياً قيادة الجبهة التي تعتبر فريق المعارضة في لبنان “امتداداً للعدو الاستراتيجي الجديد وهو إيران ومعه سوريا”. وان ما يقوم به السفيران الاميركي والفرنسي في بيروت جيفري فيلتمان وبرنار ايمييه يندرج في اطار البحث عن وسائل دفاع تستخدمها السلطة في مواجهة فريق المعارضة. بما في ذلك محاولة إحياء “التحالف الرباعي” إذا لزم الامر، وهو التفسير الذي اعطي للحفاوة المستجدة من قبل مصر والسعودية ازاء حزب الله. علماً بأن زيارة وفد حزب الله الى السعودية أثارت حفيظة “ بقايا المحافظين الجدد” في الرياض وبيروت ما أنتج اولاً المقابلة الشهيرة لوليد جنبلاط في قناة “العربية” (الناطق المرئي والمسموع لجبهة الاعتدال الاميركية ــــــ العربية) التي أراد من خلالها نقل المواجهة الى مستوى آخر، بإعطاء جرعة إضافية لملف المحكمة الدولية عبر اتهام حزب الله بالتورط في الاغتيالات. وقد جاءت مقابلة جنبلاط مباشرة على الهواء في المحطة المموّلة من السعودية التي تديرها مجموعة بندر بن سلطان وملحقاته من المخابرات الاميركية والأردنية، وبعدما سبق أن دعا الى قتل بشار الأسد قبل أيام، في خطوة تأخذ بعداً متصلاً بموقف السعودية مما يجري. وهو الامر الذي لم يجد بعد حتى اللحظة تفسيراً منطقياً إلا في سياق المعارك القائمة في المنطقة العربية، فيما بدا انه انتماء مباشر من جنبلاط الى المحور الذي يفترض أن التخلص من سوريا ومن القوى الحليفة لها في لبنان خطوة لا بد منها لضمان استقرار النظام القائم في لبنان كما في بقية الدول.
وبناءً على حسابات بسيطة فإن النقاش المفترض حول الخطوات المقبلة من جانب المعارضة، يأخذ في الاعتبار عدم منح فريق السلطة ولا الراعي العربي والدولي اي فرصة لكسب المزيد من الوقت، والمباشرة بوضع تصور لخطوات تتخذ طابعاً صدامياً مع السلطة وفي كل الامكنة بما يتيح إعادة تنظيم جدول الاعمال، مع الترحيب بالاضافة التي قدّمها الرئيس فؤاد السنيورة الذي جعل الورقة الاقتصادية بنداً رئيسياً، وهو ما يفيد أصلاً في تحسين سلوك المعارضة غير السياسي. حيث بدا أن البند الاقتصادي ــــــ الاجتماعي حاضر عند قسم من المعارضة لا عند كل أطرافها، ولا سيما ان هناك الكثير من الكلام الذي يقال في هذا المجال، ويعيد فتح الدفاتر القديمة لفريق السلطة الذي يستمر في إدارة أسوأ سياسة اقتصادية ومالية ونقدية في لبنان منذ توقف الحرب الاهلية، وهو الفريق الذي كان له شركاء بعضهم في المعارضة الآن وبعضهم في سوريا ايضاً، وهو ما يتيح لقوى المعارضة أن تقدم مراجعة منطقية بقصد كشف المستور وتوضيح حقائق تراكم الدين العام ومسؤولية القطاع الخاص التابع لفريق السلطة، ولا سيما منه القطاع المصرفي الذي يعد الشريك الرئيسي في عملية جني ثمار السياسة النقدية.
ومع أن البعض يفترض أن من شأن ذلك توسيع دائرة خصوم المعارضة، إلا أن واقع الحال هو أن سلوك الهيئات الاقتصادية خلال الاسبوعين الماضيين كشف بقوة أن قواعدها في مكان وقيادتها في مكان آخر، هو المكان الاقرب الى فريق السلطة. وهم في هذه الناحية لا يهمهم من هو في السلطة ومن هو في المعارضة بقدر ما يهمهم أن هذه التركيبة التي تدير البلاد اقتصادياً ومالياً ونقدياً هي التي توفر لهم هذه العائدات التي لا تتناسب مع أرقام النمو المعلن عنها من قبل السلطة نفسها.
وحتى أمس كانت هناك سلسلة من الاجتماعات الرئيسية التي عقدت بين أركان المعارضة ومباشرة إعداد خطة عمل تقوم على تأليف لجنة متابعة تمثل القوى الرئيسية في المعارضة وتتولى التنسيق اليومي بما يكفل إعداد خطة عمل تكون جاهزة قبل نهاية هذا الأسبوع لتُعرض على قادة المعارضة قبل المباشرة بوضع آلية ومهل زمنية لتنفيذها مع اتجاه الى إسقاط جميع التحفظات التي كانت قائمة خلال المدة الاخيرة والتي اخذت بالاعتبار الحملات الاعلامية التي شنتها قوى السلطة على المعارضة وعلى قواها كافة.
وحسب متابعين فإن البحث يأخذ في عين الاعتبار جملة امور منها:
ـ إعادة تثبيت شعار المعارضة ورفع السقف بوضوح نحو معركة تأليف حكومة انتقالية تتولى الاشراف على إنتاج انتخابات نيابية مبكرة.
ـ إعداد ورقة للمعارضة مجتمعة تتابع الملف الاقتصادي والاجتماعي وتفرضه بنداً حاراً أمام السلطة الحالية وأمام أي سلطة سوف تقوم قريباً.
ـ إعداد تصور وموقف موحد وثابت في ما خص طريقة التعامل مع أي مبادرة محلية او خارجية لمعالجة الازمة.
ـ تثبيت العمل بمقترحات عملية للتحرك الشعبي والنقابي والطلابي الذي يقود الى شلّ مؤسسات الدولة كافة، والتركيز على جعل التحرك يصيب من الحكومة مقتلاً لا من الناس، ودون التوقف كثيراً عند الاعتبارات التي قامت في المرحلة الماضية والتي ركزت على تجنب المواجهات المباشرة.
بعد الاثنين المقبل نحن أمام كلام آخر بين المعارضة والسلطة.