نقولا ناصيف
اكتسبت زيارة وفد حزب الله للسعودية الذي ضمّ نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم ووزير الحزب محمد فنيش، الأربعاء 29 كانون الأول الفائت، واجتماعه بالملك عبدالله أكثر من ساعتين، أهمية خاصة في توقيتها ورفع مستوى الحوار بين الطرفين، وكذلك في الأهداف التي توخياها. وهي المرة الأولى التي يحصل فيها لقاء على هذا المستوى بينهما، رغم أن معاون الأمين العام حسين الخليل كان قد زار الرياض في كانون الأول 2005 للاجتماع بالنائب سعد الحريري في خضم مناقشة الطرفين «اتفاق الرياض» آنذاك. بيد أنه لم يلتقِ مسؤولين سعوديين. في ذلك اليوم قال الحريري للخليل إن الملك يطلب إلى طرفي النزاع ـــــ ولم يكن الخلاف في وطأة ما هو قائم اليوم ـ التوصّل إلى اتفاق داخلي في ما بينهما ـــــ وهذا ما أعاد الملك تأكيده، مباشرة، لدى استقباله قاسم وفنيش.
واستناداً إلى معلومات وثيقة الصلة بزيارة وفد الحزب، برزت النتائج الآتية:
1 ـــــ كان لكل من حزب الله والمملكة أهدافه، وكلاهما التقيا عند ضرورة حصول الزيارة. أراد الحزب تأكيد انفتاحه على كل القوى الإقليمية الفاعلة والمؤثرة في الوضع اللبناني، وتعزيز صلاته بها كي لا يؤخذ عليه الانغلاق أو أنه يتصرّف على أساس أنه يتعامل مع فريق دون آخر في إطار الخلافات والنزاعات الإقليمية القائمة. بل إنه يسعى إلى التعبير عن نفسه ومواقفه مباشرة من دون أن يكلفه ذلك أكثر مما هو مستعد له. تبعاً لذلك لبى دعوة العاهل السعودي الذي كان قد وجهها إلى الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، للمرة الأولى في أيار 2006، وكان ردّ الحزب ترحيبه بتلبيتها إلا أن الظروف الأمنية تحول دون سفر نصر الله. ثم تكرّرت الدعوة بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، وكان الرد نفسه، وهو أن الظروف الأمنية ـــــ لا مبدأ الزيارة ـــــ تحول دون تلبية نصر الله لها. عندئذ اقترحت المملكة زيارة وفد رفيع المستوى، فقصدها الشيخ قاسم والوزير فنيش. بذلك لم تكن الزيارة وليدة تردي الأوضاع في الأسابيع الأخيرة، لكن هذه جعلتها أكثر إلحاحاً. وإذ تأتي كذلك في ظل استمرار الاتصالات بين الحزب والسفير في بيروت عبدالعزيز الخوجة، فإن لها بعداً متميّزاً هو حصولها بعد أشهر على موقفين اتخذتهما المملكة من الحزب إبان حرب 12 تموز وبعدها، أحدهما سلبي أصدرته الخارجية السعودية والآخر إيجابي خرج من الديوان الملكي.
أما المملكة فأرادت من استقبال وفد حزب الله تأكيد انفتاحها على كل الأفرقاء اللبنانيين، والتواصل المباشر مع الحزب من خلال حوار مفتوح نظراً إلى موقعه ودوره في المعادلة الداخلية، وتوجيه الرسائل إليه بلا وسيط. قصد الملك من المقابلة، كما لمس الوفد الزائر، أن يَسْمع ويُسمع.
2 ـــــ كان الغرض من الدعوة الاجتماع بالملك من دون جدول أعمال أو عنوان محدّد سلفاً. وأبرَزَت ذلك رغبة الطرفين في تمتين العلاقات الثنائية ومناقشة المواضيع بلا إطار خاص.
3 ـــــ لم تتطرّق المحادثات إلى المبادرات المقترحة لحل الأزمة اللبنانية، ولم تكن ثمة مبادرة سعودية خاصة أو أفكار جديدة، بل حرص الملك، كما لمس الحزب، على تأكيد أربعة ثوابت:
ـــــ الإصرار على إجهاض أي احتمال إشعال فتنة مذهبية سنية ـ شيعية.
ـــــ أهمية التوافق بين الأفرقاء اللبنانيين وأن حل المشكلة ينبثق من الداخل، من اللبنانيين، ولو تزامن ذلك مع سعي عربي أو اضطلاع الجامعة العربية بما يفضي إلى هذا الهدف. وشدّد الملك أمام قاسم وفنيش على ضرورة التوصّل إلى «حل لبناني قابل للحياة». وخاطبهما قائلاً: «عليكم أنتم اللبنانيين أن توجدوا الحل في ما بينكم، وأن حياة أي مبادرة عربية (والمقصود بذلك تحرّك الجامعة العربية) أو عدمها يتوقف على القرار اللبناني الداخلي».
قال أيضاً: «تفاهموا في ما بينكم وأوجدوا الحل، ونحن مع تفاهمكم. ولكن حذار الفتنة!».
ـــــ رغبة السعودية في إبلاغ حزب الله أنها ليست طرفاً في النزاع الدائر حالياً بين اللبنانيين، ولا تقف مع فريق دون آخر. واقترن هذا الموقف بإيحاء سعودي هو أن دعم المملكة لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة لا يعني انحيازاً إلى فريق دون آخر.
ـــــ الإصغاء إلى وجهة نظر حزب الله في ما يجري في لبنان. وسأل الملك الوفد الزائر كيف يرى طريق الحل. وعقّب أنه لا يؤيد «حركة الشارع»، في إشارة إلى معارضة ضمنية للاعتصام المفتوح الذي ينفذه الحزب وحلفاؤه في وسط بيروت.
جواب الوفد للملك أن حزب الله لجأ إلى هذا الأسلوب بعدما سُدّت كل أبواب التفاهم مع حكومة السنيورة والغالبية اللذين تجاهلا تماماً مطالب المعارضة. لكن الملك تجنّب التعليق، مكتفياً بالقول: «نحن نفتش عن الحل».
كذلك سأل الملك الوفد رأيه في المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فأجابه بأنه يؤيدها في المبدأ، لكن ثمة حاجة إلى مناقشة تفاصيلها.
في حصيلة تقويم الزيارة ملاحظتان:
أولاهما، أن العاهل السعودي لم يأتِ في حواره مع وفد حزب الله على ذكر سوريا وإيران، ولم يخض في تفاصيل الأزمة اللبنانية. لم يسمّ أياً من المسؤولين اللبنانيين في الحكم وخارجه، إلا أنه أشاد بنصر الله ودوره في المقاومة، مبدياً تقديره له. واستبعد ضمناً أي مبادرة سعودية.
ثانيتهما، أنه اكتفى بالتعليق على عرض مسهب قدمه الشيخ نعيم قاسم عن تطور الأحداث في الأشهر الأخيرة وخصوصاً حرب 12 تموز بعبارة مقتضبة هي أن «العدوان غير مقبول». كان نائب الأمين العام قد توسّع في شرح دور المقاومة وطريقة عملها وتجنبها التحرّك خارج دائرة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، فلم تعمل داخل إسرائيل رغم تأييدها الانتفاضة الفلسطينية، ولا في مكان آخر في العالم، ولا استقدمت إلى لبنان مقاومين عرباً أو مسلمين، ولا جعلت من لبنان ساحة صراع إقليمي، بل تصرّفت على أساس أنها مقاومة لبنانية في مواجهة احتلال إسرائيلي للأراضي اللبنانية. وأوضح قاسم أيضاً أن سلاح المقاومة شأن لبناني داخلي، ويُعالج من ضمن استراتيجيا وطنية لبنانية. لكن العاهل السعودي لم يدلِ بأي موقف من موضوع المقاومة ولا من سلاحها، متجنباً الخوض في تفاصيل الشأن اللبناني بما في ذلك دوافع الأزمة الناشبة بين الغالبية والمعارضة، بعدما شرح له قاسم مسار علاقة الحزب بحكومة السنيورة والغالبية بدءاً بعرض علاقته بالرئيس الراحل رفيق الحريري وتطورها في الأشهر الأخيرة التي سبقت اغتياله واتسامها بإيجابية لافتة. كذلك تحدّث عن العلاقة بنجله النائب سعد الحريري التي بدأت على أساس أنها استكمال للعلاقة مع والده الراحل ثم توترت وبلغت أخيراً أسوأ حال بعدما نقضت الحكومة والغالبية تعهّداتهما التي كانتا قد قطعتاها، على نحو ما ذكر نائب الأمين العام، معرّجاً على أيام التحالف الرباعي و«اتفاق الرياض» في كانون الأول 2005.