عرفات حجازي
توحي حركة الاتصالات والمشاورات بين أكثر من عاصمة عربية وإقليمية ودولية بوجود رغبة في إحياء المساعي لمحاصرة الأزمة اللبنانية ووضع ضوابط لها تحول دون الانهيار الكامل.
وتُجمع أوساط المراقبين على أن الوضع في حكم المجمّد الآن ولا مؤشر إلى حلحلة في الأفق، بل إن ما نشهده من مساعٍ محصور في تهدئة الأجواء وتجميع الأفكارعلّه يسمح لاحقاً بإطلاق مبادرة تتوافر لها عناصر الحماية بعيداً من انفعالات الصراع وصخب المواقف المتشددة. ويعترف هؤلاء بأن ثمة معطيات استجدت أخيراً ساهمت الى حد بعيد في خلق مساحات كافية لتشكيل فسحة مقبولة تبرّد الأجواء الساخنة وتغيّر في صورة المشهد السياسي، وربما فتحت أبواباً جديدة أمام مساعي الحل.
وفي قراءة موضوعية للاختراقات السياسية التي حصلت هذا الأسبوع يمكن الخروج بالخلاصات الآتية:
أولاً: الزيارة التي قام بها وفد من حزب الله الى السعودية كسرت جليد العلاقات المتأزمة بين الطرفين على خلفية الإشكال الذي أثاره بيان المملكة إثر العدوان الاسرائيلي وتحميله الحزب مسؤولية «المغامرة»، باستدراج العدوان وتوفير الذرائع له. وبصرف النظر عن النتائج العملية التي لم يرشح عنها الكثير إلاّ أنها في نظر المتابعين لتطورات الأزمة شكلت انعطافةً مهمةً في مسارها وفتحت أفقاً للمعالجة، لا سيما ان توقيت الزيارة زاد في أهميتها لأنها جاءت في ذروة التأزم والخوف من انزلاق الوضع الى نوع من العرقنة لا تستطيع ان تتحمل مخاطره المنطقة، وإن الزيارة صحّحت كثيراً من جوانب الصورة التي تكونت لدى المملكة عن مواقف الحزب وصححت الالتباس الذي وقع خلال العدوان، وبالتالي تمت إزالة التراكمات وتصفية رواسب المرحلة الماضية التي اتسمت بالبرودة.
ويؤكد قياديون في «حزب الله» ان المحادثات التي جرت مع الملك وكبار مساعديه تطرقت الى كل جوانب الأزمة الداخلية والقضايا الخلافية، وجرت قراءة معمقة لملفي المحكمة ذات الطابع الدولي وحكومة الوحدة الوطنية وكيفية تحقيق المشاركة والتوازن في السلطة، واتفق على استمرار التشاور من خلال السفير السعودي في لبنان، وان المملكة التي تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف ستبذل كل ما تستطيع لمساعدة اللبنانيين على بلورة تفاهم يحفظ للبنان وحدته واستقراره.
ثانياً: التطور الآخر في حركة المساعي لمعالجة الأزمة تمثّل بالزيارة التي قام بها رئيس وزراء تركيا للبنان وركز فيها على جملة قضايا تراها تركيا من صلب اهتمامها بالمنطقة، ومن ضمن سعيها وحساباتها السياسية ورؤيتها لأوضاع المنطقة ككل. وقد صارح أردوغان المرجعيات السياسية التي التقاها بأنه خائف على لبنان وعلى سقوط تجربة عيشه المشترك، كما هو متخوف من انزلاق وضعه الى فتنة مذهبية قد تشعل حرائق في هشيم الأوضاع المتردية والمأزومة في المنطقة، وتركيا لاعب أساسي فيها. ومن هذا المنطلق عرض وساطة بلاده لتفكيك العقد الخارجية في الأزمة ليسهل تفكيك العقد الداخلية، وهو سمع من القيادتين الإيرانية والسورية كلاماً مطمئناً أثناء زيارته كلاً من طهران ودمشق على وجوب المحافظة على الاستقرار في لبنان، ولمس تفهّماً وتأييداً لقيام المحكمة ذات الطابع الدولي مرفقين بتساؤلات وملاحظات على خلفيات بعض الفقرات التي تضمنها نظام المحكمة، وأبلغ القيادات اللبنانية أنه سيواصل مساعيه لتهيئة المناخ الإقليمي المناسب في شأن الخطوات المفترض معالجتها بالنسبة إلى بعض بنود نظام المحكمة وإزالة بعض الالتباسات التي يتوجس البعض منها. وقد أثنى بعض من التقاهم أردوغان على دور تركيا وقدرتها بحكم موقعها وتأثيرها في الشرق الأوسط وشبكة العلاقات الجيدة التي نسجتها مع طهران ودمشق والرياض والولايات المتحدة، وهي علاقات استراتيجية تمكّنها من فتح الأبواب المغلقة أمام أي مبادرة جادة لإنهاء الأزمة وإيجاد حل سياسي لها.
ثالثاً: التطور الثالث هو السعي لإعادة الاعتبار الى المبادرة العربية التي قادها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى منذ الثالث من الشهر الماضي في إطار مسعاه الى حلول لنقاط الخلاف، والتي انتهت الى عدم النجاح وعدم الإخفاق في آن. وهو أكد قبل مغادرته بيروت أنه مستعد للعودة إذا توافرت الأجوبة عن عدد من الأسئلة حول ما بقي من التفاصيل للاتفاق على موضوعي المحكمة والحكومة، وحتى الآن عودته غير محسومة علماً بأن رئيس الحكومة أكدها فيما رهن السفير المصري الذي التقى موسى أخيراً في القاهرة عودته بمؤشرات إيجابية في مواقف أطراف الأزمة وتوافر عناصر ومعطيات تساعد على استكمال مهمته لأن الرجل ليس على استعداد لجولات أخرى غير مجدية والدوران مجدداً في حلقات مفرغة. ويقول قطب سياسي بارز إن الانفتاح العربي على المعارضة وسّع من أفق الحركة العربية وقد يساهم في إعادة فتح قنوات التواصل بين القيادات اللبنانية، وإن السفيرين المصري والسعودي يسعيان بتكليف من قيادتيهما إلى مد جسور الثقة بين الأطراف والاستفادة من الدينامية العربية والاقليمية لكسر الأزمة وإيجاد حل لها وهو ما يشجع على إعطاء الفرصة مجدداً للمبادرة العربية التي تمثل جسر الحوار في الواقع السياسي الراهن.