نقولا طعمة
استحمام في السواقي منتصف الليل ونذور لتحقيق الأمنيات

ليل السادس من كانون الثاني يجمع ثلاث مناسبات منها ما هو ديني إيماني ومنها ما يتعلق بالتقليد الشعبي. الغطاس عند المسيحيين الشرقيين رمز لقداسة المياه لأن السيد المسيح تعمّد على يد القديس يوحنا في نهر الأردن في هذه الليلة. وتفيد الرواية أنّ القديس يوحنا كان يقوم بالعمادة للجموع، ويقول لهم: سوف يأتي من هو أعظم منّي ويعمّدكم بالماء، ويعبر المسيح نهر الأردن بعد عمادته، فترفرف حمامة ترمز إلى الروح القدس وتشير إليه قائلة: هذا هو ابني الحبيبفي نظر المسيحيين، تصبح المياه مقدّسة على وجه الكرة الأرضية، ومن يرغب في اكتساب قدسيّة المناسبة، يشرب من مياه هذا التاريخ، أو يستحمّ في أي مكان فيه مياه. ودرج أبناء القرى على الخروج ليلاً من منازلهم، والتوجه إلى الأنهار والسواقي ليستحموا فيها عند منتصف الليل، يواجهون بحرارة إيمانهم برودة المياه وبرودة الطقس.
ويعتقد كثيرون أن من يشاء تحقيق أمنية، يمكنه أن يقيم نذراً في هذه المناسبة، فإذا كان مؤمناً حقّاً، تحقّقت أمنيته بمشيئة إلهية.
ويردّد القرويون روايات عجائبية عن الليلة التي يطلق عليها أيضاً ليلة القدر، ويؤمن بها أبناء مختلف الطوائف، ويعتقدون أنّ الأشجار تسجد منتصف الليل. وتفيد إحدى الروايات الشعبية أن راعٍ أوى إلى منزله متأخراً، وربط بقرته إلى طرف شجرة لم يكن يعرف أنّها ساجدة، وعندما أفاق في الصباح لم يجد الشجرة ولا البقرة. وعندما تأمّل ما حوله وجد الشجرة منتصبة، والبقرة معلّقة على أحد أغصانها.
ويعتقد الأرمن الأرثوذكس أنّ الميلاد الحقيقي للسيد المسيح هو في السادس من كانون الثاني، أي يوم الغطاس عند المذاهب المسيحية التي تعتمد الخامس والعشرين من كانون الأول موعداً للميلاد. وتتحدّث بعض الروايات عن أن الشعوب الوثنية اعتمدت قبل المسيحية الخامس والعشرين من كانون الأول عيد الشمس، أي بدء نهوضها من انحناءتها القصوى بسبب انحناءة الكرة الأرضية، وكانوا يقيمون الاحتفالات الضخمة للمناسبة، فينشدّ المسيحيون الأوائل والقلائل والضعاف إلى هذه الاحتفالات للمشاركة فيها. غير أن الأوصياء عليهم كانوا ينزعجون من توجّه أبنائهم إلى الاحتفالات الوثنية. وعندما قويت شوكة المسيحيين، وانتشرت ديانتهم بعدما تنصّر الإمبراطور الروماني قسطنطين الثاني، واعتمدت الدولة الرومانية المسيحية ديناً رسمياً، نقل القيّمون على الأمور الدينية ذكرى الميلاد من السادس من كانون الثاني إلى الخامس والعشرين من كانون الأول، فحلّ عيد الميلاد محلّ عيد الشمس، واعتمدته غالبيّة المذاهب المسيحية ما عدا قلّة منها وفي مقدّمها الكنيسة الروسية الأرثوذكسيّة وكنيسة الأرمن الأرثوذكس.